
لم تكن المواجهة الأخيرة بين الهند وباكستان مجرد اشتباك حدودي جديد ضمن سلسلة المناوشات المتكررة، بل جاءت لتكسر أحد أعتى الثوابت في معادلة الردع الإقليمي. لقد دخل الطرفان حربًا قصيرة، لم تدم أيامًا، لكنها حملت في طياتها تحولات استراتيجية كبرى، وطرحت تساؤلات جوهرية عن موازين القوى، وأدوار الحلفاء، وخيارات المستقبل في جنوب آسيا.
الشرارة الظاهرة: كشمير مجددًا
اندلعت المواجهة في أعقاب توترات متصاعدة في إقليم كشمير، إذ اتهمت الهند جماعات مسلحة مدعومة من باكستان بتنفيذ عمليات ضد مصالحها، فردّت بعمليات عسكرية محدودة. لكن الرد الباكستاني لم يكن تقليديًا، بل جاء مباغتًا وشاملًا، بما في ذلك إسقاط خمس طائرات هندية، في مشهد أربك الحسابات.
كسر الردع: باكستان تقلب المعادلة
لأول مرة منذ سنوات، أقدمت باكستان على خطوة هجومية مباشرة تتحدى التفوق العسكري الهندي المدعوم غربيًا. إسقاط الطائرات لم يكن مجرد إنجاز تكتيكي، بل رسالة مفادها أن الردع التقليدي القائم على تفوق الهند أصبح محل شك. وقد دعم هذا التحول استعراض أسلحة متقدمة من مصادر صينية وتركية، مما أعطى بعدًا تقنيًا غير مسبوق للمواجهة.
تراجع غير معلن: الهند تنكفئ عن حبس المياه
واحدة من أبرز الإشارات على التراجع الهندي كانت في العدول عن تنفيذ تهديداتها بحبس المياه المتدفقة إلى باكستان عبر الأنهار المشتركة، وهو سلاح كان يمكن أن يشعل المنطقة بشكل أوسع. خطوة بدت مدروسة في سياق احتواء التصعيد، لكنها فُسّرت أيضًا كعلامة على أن نيودلهي لم تكن مستعدة لاندلاع حرب واسعة وسط معطيات جديدة غير مضمونة النتائج.
الدور التركي: شراكة عسكرية معلنة
ظهر الحضور التركي بوضوح، سواء من خلال منظومات الطائرات المسيّرة المتطورة أو عبر الدعم التقني اللوجستي. تركيا التي تتوسع بثقلها الدفاعي في أكثر من ساحة، وجدت في باكستان شريكًا استراتيجيًا مستعدًا لإعادة تشكيل موازين القوة في جنوب آسيا، في ظل صمت نسبي من جانب بعض الحلفاء التقليديين.
الصين: المستفيد الصامت من تغير المعادلة
رغم أنها لم تتدخل بشكل مباشر، إلا أن الصين راقبت المواجهة بارتياح استراتيجي. فباكستان حليفها القديم، والهند خصمها الاستراتيجي في آسيا. كل تحجيم للتفوق الهندي يصب في مصلحة بكين، خاصة إذا تم بأدوات غير صينية مباشرة، ما يمنحها مساحة للحفاظ على خطابها السياسي "السلمي" مع بقاء تأثيرها الفعلي في ميدان المعركة.
لماذا سارعت أمريكا لوقف الحرب؟
التحرك الأميركي السريع لإيقاف المواجهة يعكس إدراكًا بأن استمرار الحرب قد يقود إلى انكشاف كبير في بنية الردع التي بنتها واشنطن في المنطقة. واشنطن لا تريد انتصارًا باكستانيًا يُترجم سياسيًا لصالح خصومها في آسيا، كما لا تحتمل خسارة هندية محرجة تضعف شريكها الأهم في مواجهة الصين. فالتوازن، لا الحسم، هو هدف السياسة الأميركية هنا.
باكستان تحت المظلة... ولكن بقرار مستقل
رغم أن الهند وباكستان تقعان ضمن حسابات النظام الأميركي – كلٌ وفق موقعه – فإن باكستان هذه المرة تصرّفت خارج النص. دخولها الحرب لم يكن انتحارًا، بل مبنيًا على ثقة في تحالفات جديدة، ودعم عسكري نوعي، وتقييم دقيق لردود الأفعال الدولية. السؤال الحقيقي الآن: هل فتحت إسلام آباد الباب أمام مرحلة جديدة من التوازن غير التقليدي؟
خاتمة: بين الردع القديم والتوازن الجديد
الحرب القصيرة التي اندلعت بين الهند وباكستان كشفت هشاشة نظام الردع التقليدي الذي ساد لسنوات. لم تكن مجرد اشتباك على الحدود، بل لحظة فارقة أظهرت أن موازين القوة في جنوب آسيا لم تعد حكرًا على المعسكرات القديمة. الأسلحة تغيّرت، الحلفاء تبدّلوا، والمفاجآت لم تعد مستبعدة.
. . . في العمق يتجلى الفرق . . .
