
1. الهند، باكستان، بنغلاديش: تقسيم دموي رسمته بريطانيا
عند انسحاب بريطانيا من الهند عام 1947، تركت خلفها تقسيمًا قائمًا على أساس ديني، بين الهند ذات الغالبية الهندوسية، وباكستان ذات الغالبية المسلمة.
وقد أدّى هذا إلى أكبر موجة تهجير في القرن العشرين، حيث اضطر نحو 15 مليون شخص إلى تغيير أماكن سكنهم، وقُتل قرابة مليون إنسان في أعمال عنف طائفي.
وفي عام 1971، انفصلت باكستان الشرقية (بنغلاديش حاليًا) بعد حرب ضارية، ما عمّق الإرث الدموي للتقسيم.
2. ماليزيا، سنغافورة، بروناي: خروج بريطاني يزرع الانقسام
شكّلت بريطانيا "اتحاد مالايا" بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها انسحبت تاركة عدة كيانات منفصلة:
- ماليزيا التي نشأت من ولايات مختلفة.
- سنغافورة التي طُردت لاحقًا من الاتحاد عام 1965 بعد توترات عرقية وسياسية.
- بروناي التي رفضت الانضمام وفضّلت البقاء كسلطنة منفصلة.
3. السودان وجنوب السودان: تقسيم مؤجّل لصراع طويل
تحت حكم مشترك بين مصر وبريطانيا، لم يُبنَ السودان على أساس وحدة داخلية متينة. وبعد الاستقلال عام 1956، بدأت الانقسامات بين الشمال والجنوب، لتتطور إلى حرب أهلية استمرت عقودًا.
وفي عام 2011، أعلن جنوب السودان استقلاله، لكنه دخل في دوامة صراعات داخلية لم تنتهِ بعد، بينما ظل الشمال يواجه أزماته السياسية والاقتصادية.
4. نيجيريا: وحدة مصطنعة صنعتها بريطانيا
جمعت بريطانيا أكثر من 250 مجموعة عرقية ضمن حدود نيجيريا الحالية، أبرزها الهوسا والفولاني في الشمال، اليوروبا في الغرب، والإيبو في الشرق.
وبعد الاستقلال عام 1960، تفجرت الصراعات الداخلية، أبرزها حرب بيافرا (1967-1970) التي خلفت أكثر من مليون قتيل.
ولا تزال البلاد حتى اليوم تواجه تحديات حركات انفصالية وصراعات دينية ومليشيات مسلحة.
5. رواندا وبوروندي: تركة بلجيكية دامية
غذّى الاستعمار البلجيكي التمييز بين التوتسي والهوتو، عبر منح امتيازات إدارية للتوتسي وإقصاء الهوتو.
وعند الاستقلال، انفجر هذا التوتر، وبلغ ذروته في مجازر عام 1994 التي راح ضحيتها نحو 800 ألف إنسان في رواندا وحدها، إلى جانب صراعات مشابهة في بوروندي المجاورة.
6. الكونغو الديمقراطية: انسحاب بلجيكي فجائي وفوضى مزمنة
غادرت بلجيكا الكونغو عام 1960 في استعجالٍ تام دون إعداد إدارة وطنية قوية، مما أدى إلى صراعات بين قادة القبائل، وانقلابات، واغتيال القائد باتريس لومومبا.
ومنذ ذلك الحين، لم تعرف البلاد استقرارًا، بل أصبحت مسرحًا لحروب إقليمية ومنافسات دولية على الثروات.
7. أنغولا وموزمبيق: صراعات بعد خروج برتغالي مفاجئ
بعد سقوط الحكم العسكري في لشبونة عام 1974، انسحبت البرتغال من مستعمراتها دون ترتيبات انتقالية واضحة.
فدخلت أنغولا وموزمبيق في حروب أهلية طويلة غذّتها الحرب الباردة، وخلّفت دمارًا واسعًا وتأخرًا تنمويًا حتى التسعينيات.
8. تيمور الشرقية: استعمار، انسحاب، احتلال
بعد انسحاب البرتغال من تيمور الشرقية عام 1975، قامت إندونيسيا باجتياح الإقليم واحتلاله، بدعم ضمني من قوى كبرى.
وقد استمرت المقاومة لعقود، حتى حصلت تيمور على استقلالها عام 2002، بعد استفتاء شعبي وإشراف أممي.
9. كشمير: جرح مفتوح من إرث بريطاني
رغم تقسيم الهند وباكستان، تُركت كشمير بدون حسم نهائي لمصيرها، مما جعلها نقطة اشتعال دائمة بين البلدين.
وقد خاض الطرفان ثلاث حروب بسببها، ولا تزال المنطقة تعاني من العسكرة، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتوتر الإقليمي.
خاتمة:
رحيل الاستعمار لم يكن نهاية لهيمنته، بل إعادة إنتاج لها بصيغ جديدة. لقد ترك خلفه حدودًا مشتعلة، وهويات متضادة، وألغامًا سياسية واجتماعية. التقسيمات التي زرعها، سواء باسم الدين أو العرق أو الجغرافيا، أثمرت دولًا مستقلة شكليًا، لكنها مشلولة داخليًا. وفهم هذا الإرث الاستعماري ضروري لفهم كثير من أزمات العالم اليوم.
. . . في العمق يتجلى الفرق . . .
