فروق: بين الديمقراطية الغربية و”الديمقراطية المستوردة”: فهم الفروق الثقافية في البناء السياسي

Wednesday, May 14, 2025

بين الديمقراطية الغربية و”الديمقراطية المستوردة”: فهم الفروق الثقافية في البناء السياسي

حين يُذكر مصطلح "الديمقراطية"، تتجه الأذهان غالبًا إلى النموذج الغربي بما يحمله من مؤسسات منتخبة، فصل بين السلطات، وتداول سلمي للحكم. لكن حين تُنقل هذه الهياكل إلى دول الشرق الأوسط، يبدو المشهد مختلفًا؛ إذ غالبًا ما تتحول الديمقراطية إلى ديكور شكلي أو أداة لتعميق الانقسام، بدلًا من أن تكون وسيلة لتحقيق الاستقرار والتنمية. فما الذي يجعل الديمقراطية الغربية تنجح في بيئتها الأصلية، بينما تتعثر أو تُفرغ من مضمونها عند استيرادها؟ الجواب يكمن في الفروق الثقافية والسياسية والاجتماعية العميقة، والتي غالبًا ما يُغفل عنها عند نسخ النماذج الجاهزة.


1. الديمقراطية ليست صناديق اقتراع فقط

ما فشلت فيه محاولات "استيراد الديمقراطية" هو الظن بأن إنشاء برلمان وتنظيم انتخابات كافٍ لصناعة نظام ديمقراطي. في الغرب، وُلدت الديمقراطية عبر قرون من الصراع الاجتماعي، وبتدرج أفرز طبقات وسطى قوية، وإعلامًا مستقلًا، ومجتمعًا مدنيًا نشطًا. أما في الشرق الأوسط، فقد جاءت الديمقراطية في أغلب الأحيان بفعل ضغوط خارجية أو تفاهمات فوقية، دون جذور اجتماعية حقيقية تدعمها، ما جعل المؤسسات المنتخبة ضعيفة أو أسيرة للاستقطاب الطائفي والقبلي أو خاضعة لهيمنة السلطة التنفيذية.


2. الإرث التاريخي للدولة والشرعية السياسية

نشأت الدول الغربية عبر مسار طويل من ترسيخ شرعية الدولة على حساب الولاءات المحلية والدينية، ما جعل السلطة المركزية محل قبول نسبي لدى المواطنين. أما دول الشرق الأوسط، فقد تشكلت أغلبها بعد انهيار الإمبراطوريات ووفق خرائط استعمارية، دون أن تمر بعملية تراكم سياسي مماثلة. لذا، بقيت الشرعية في كثير من الأحيان معلقة: إما مُصادرة من قبل أنظمة استبدادية، أو موزعة بين قوى محلية وطائفية ترى في الدولة مجرد أداة للهيمنة.


3. غياب المجتمع الأهلي كوسيط ديمقراطي

في الغرب، تؤدي النقابات، الجمعيات، والهيئات الوسيطة دورًا أساسيًا في تأمين التوازن بين الدولة والفرد، وفي تحويل المطالب الشعبية إلى برامج سياسية. في المقابل، لا تزال البُنى الوسيطة في المجتمعات العربية ضعيفة أو مُسيطرًا عليها من الدولة أو من قوى دينية أو عشائرية، ما يجعل العملية الديمقراطية هشّة، ويحول دون نشوء مواطنة فاعلة قادرة على الدفاع عن حقوقها.


4. الثقافة السياسية والقبول بالتعددية

الديمقراطية لا تزدهر في فراغ، بل تحتاج إلى ثقافة سياسية تؤمن بالتعدد والتداول السلمي للسلطة. أما في البيئات التي يغيب فيها هذا الوعي، ويُنظر إلى المنافس السياسي كعدو وجودي، فإن الانتخابات لا تُنتج إلا مزيدًا من الانقسام وربما الحرب الأهلية، كما شهدنا في تجارب عدة مثل الجزائر بعد انتخابات 1991، أو العراق بعد 2003.


5. دور القوى الخارجية: ديمقراطية مُعلبة أم مشروع وطني؟

في كثير من الحالات، كانت الديمقراطية المستوردة مدفوعة من الخارج، ما أفقدها شرعيتها الداخلية. التدخلات الأمريكية في العراق أو أفغانستان، مثلًا، ربطت فكرة الديمقراطية بالاحتلال، ما جعل قطاعات واسعة من الشعوب تنظر إليها كقناع للهيمنة. في المقابل، حين تأتي الديمقراطية نتيجة حراك داخلي طويل مثل تجربة تونس رغم تعثرها، فإنها تملك فرصة للبقاء لأنها تعبّر عن إرادة محلية، لا عن هندسة خارجية.


خاتمة: الديمقراطية كتجربة لا كمنتج

ليست الديمقراطية وصفة جاهزة قابلة للنسخ، بل عملية معقدة تتطلب تربة ثقافية واجتماعية وسياسية مؤهلة لاحتضانها. إن فشل النماذج المستوردة في الشرق الأوسط يجب ألا يُقرأ كفشل لفكرة الديمقراطية ذاتها، بل كفشل في فهم الشروط التي تجعلها ممكنة وفعالة. البديل ليس الاستبداد، بل إعادة التفكير في ديمقراطية تنبع من السياق المحلي وتتماهى مع عمق المجتمع، لا أن تُفرض عليه من فوق.


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .