فروق: لماذا تصرّ إسرائيل على ضرب المستشفيات؟

Wednesday, May 14, 2025

لماذا تصرّ إسرائيل على ضرب المستشفيات؟

عندما يُستهدف الملجأ الأخير… ماذا يعني ذلك في قاموس السياسة؟

في الحروب، تُعتبر المستشفيات خطوطًا حمراء. هي الملاذ الأخير للمدنيين، والرمز الأوضح للحياد الإنساني. لكن في غزة، يبدو أن إسرائيل قررت محو هذا الخط الأحمر تمامًا. فبينما يسأل كثيرون: "لماذا تضرب إسرائيل المستشفيات، وهي تعلم أن ذلك يضرها سياسيًا ولا يحقق مكاسب عسكرية مباشرة؟"، يظهر أن الإجابة ليست بسيطة، بل تكشف عن استراتيجية مركّبة تتجاوز المعركة العسكرية إلى ما هو أعمق وأخطر.

في هذا المقال، نعرض الأسباب والدوافع المحتملة لهذا السلوك، من زاوية تحليلية استراتيجية، بعيدًا عن العاطفة.


كسر الإرادة الجماعية: لا ملجأ ولا مأمن

أحد المبادئ غير المعلنة في العقيدة العسكرية الإسرائيلية هو ما يُعرف بـ"كيّ الوعي"، أي تدمير روح الصمود في نفوس المدنيين، عبر رسائل ميدانية مفادها:

"لا مكان آمن لكم".
استهداف المستشفيات ليس له غاية عسكرية مباشرة في كثير من الحالات، لكن له وظيفة نفسية بالغة: ترسيخ الخوف، وضرب الأمل، وإشعار الفلسطينيين بأن الموت يلاحقهم في كل زاوية.


ذريعة "الهدف العسكري المختلط"

عندما تُستهدف مستشفى، تخرج إسرائيل فورًا بادعاء أنها "تُستخدم كمقر لحماس" أو "تُخزن فيها أسلحة". حتى لو لم تثبت هذه الادعاءات، فهي تستند إلى مبدأ استُحدث لتبرير الهجمات: "الهدف المختلط"، حيث يصبح المدني والعسكري في نظرها متداخلين. هذا المبدأ يُستخدم كغطاء قانوني لتدمير بنى تحتية مدنية، ما يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.


شلّ البنية التحتية الصحية: العقاب الجماعي بصمت

عندما تُقصف المستشفيات، تنهار المنظومة الصحية برمتها. وهذا الانهيار ليس مجرد خسارة إنسانية، بل أداة استراتيجية ضمن سياسة "العقاب الجماعي"، حيث يُترك الجرحى دون علاج، وتُفتح ثغرات مميتة في المجتمع، تؤدي إلى الفوضى والضغط على السكان لقبول حلول قسرية أو حتى النزوح.


الاستفزاز المقصود للرأي العام الدولي

قد تبدو المفارقة غريبة، لكن بعض دوائر القرار في إسرائيل، خاصة ضمن التيار اليميني المتطرف، تستفيد من موجة الغضب الدولي. فكل تنديد يُوظَّف داخليًا لتغذية خطاب:

"العالم ضدنا... ونحن وحدنا نحارب الإرهاب".
هكذا يتحول الفعل المدان دوليًا إلى وقود سياسي محلي.


خلط الأوراق وتعقيد الحلول

ضرب المستشفيات جزء من استراتيجية أكبر: تفكيك المشهد. فبضرب المدارس والمستشفيات والمخيمات، تُحوّل إسرائيل ساحات الحرب إلى فوضى أخلاقية وإنسانية يصعب ضبطها، ما يُضعف ضغط المجتمع الدولي، ويعقد أي حلول تفاوضية لاحقة.


فرض "هيبة الردع" وكسر أي خطوط حمراء

حين تهاجم إسرائيل منشآت واضحة الحماية بموجب القانون الدولي، فإنها تُرسل رسالة غير مباشرة:

"نحن نقرر أين الخط الأحمر... ولا أحد يُملي علينا الشروط."
هي سياسة فرض الهيبة، تستخدم العنف المفرط لتأكيد أن اليد العليا لا تزال في الميدان، وأن التوازنات تُرسم بالقوة لا بالشرعية.


خلاصة: 

الرعب كوسيلة، والخسارة كقيمة محتملة

صحيح أن استهداف المستشفيات يُلحق بإسرائيل ضررًا في سمعتها، ويعزز الرواية الفلسطينية عالميًا، لكن هذا لم يعد عائقًا في حسابات حكومة متطرفة تُراهن على استخدام الرعب كأداة استراتيجية.
فلا المكاسب تُقاس عسكريًا فقط، ولا الخسائر تُحسب بالمؤتمرات الصحفية.

المعركة لم تعد فقط على الأرض… بل أيضًا على المعنى، والشرعية، وحدود المسموح.


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .