فروق: سلاح تحت السيطرة: حين تشتري الدول قيدها بيدها

Thursday, May 15, 2025

سلاح تحت السيطرة: حين تشتري الدول قيدها بيدها

خلف مظاهر التسلّح المتسارعة في عدد من دول العالم، تبرز مفارقة مقلقة: إنفاق بمليارات الدولارات على صفقات أسلحة مستوردة من دول تُعدّ في كثير من الأحيان خصومًا سياسية أو استراتيجية. هذه الصفقات التي تُقدَّم عادة بوصفها إنجازًا دفاعيًا، تخفي وراءها منظومة معقّدة من التبعية التقنية والسياسية، تجعل من مفهوم "الردع" مصطلحًا خادعًا في كثير من الحالات.


الردع الناقص: أسلحة لا تكتمل وظيفتها

شراء منظومات عسكرية متطورة لا يعني بالضرورة امتلاك القدرة الكاملة على استخدامها. في كثير من الحالات، تأتي هذه الأسلحة مشروطة تقنيًا، بمفاتيح تشغيل وتحكم ترتبط مباشرة بجهة التصنيع.

ما يبدو كقوة ردع على الورق، قد يكون في الواقع خاضعًا لقيود خفية: برمجيات مغلقة، تحديثات تحتاج موافقة مسبقة، وقطع غيار لا يمكن الوصول إليها دون إذن.


سوق السلاح كأداة نفوذ لا شراكة

الدول الكبرى لا تصدّر الأسلحة من منطلق تعزيز أمن الدول المستوردة، بل باعتبارها أداة استراتيجية لضمان النفوذ السياسي. ما يُباع ليس مجرد معدات، بل منظومات متكاملة تُبقي الدولة المشترية في حالة اعتماد دائم: لوجستيًا، وعملياتيًا، وحتى استخباراتيًا.

التحكم في نوعية السلاح، ومدى تطوره، وما إذا كان مناسبًا لاستخدام فعلي في نزاع، كل ذلك يُدار بدقة ضمن حسابات لا ترتبط بمصالح المشتري، بل بمصالح المورِّد.


التناقض الجوهري: استيراد السلاح من الخصم المحتمل

أحد أكثر التناقضات وضوحًا هو استيراد الأسلحة من دول تُعد خصمًا استراتيجيًا محتملًا. في هذه الحالة، تصبح أدوات الدفاع نفسها مرهونة بقرار الدولة المصنّعة، التي تستطيع تقنيًا — وربما قانونيًا — تعطيلها أو الحد من فعاليتها في لحظة ما.

هذا التناقض لا يتعلّق فقط بالسيادة، بل أيضًا بمصداقية العقيدة الدفاعية نفسها: كيف يُبنى ردع فعّال على قاعدة تفتقر إلى السيطرة الكاملة؟


السلاح المشروط كوسيلة لإدارة العلاقات لا الحروب

العديد من صفقات السلاح الكبرى في العقود الأخيرة، لا تُقرأ فقط بوصفها ترتيبات دفاعية، بل كإشارات على اصطفافات سياسية أو تسويات مؤقتة. في هذا السياق، يصبح السلاح أداة لإدارة العلاقة مع القوى الكبرى، لا وسيلة حقيقية لمواجهة المخاطر.

يُمنح المشتري نموذجًا مخصصًا، أضعف من النسخة الأصلية، ومقيدًا بضوابط تضمن عدم استخدامه خارج الإطار المحدد مسبقًا. بذلك، يتحول "الردع" إلى حالة افتراضية، تتآكل عند أول اختبار فعلي.


البديل الحقيقي: السيادة التقنية والإنتاج المحلي

الردع الفعلي لا يتحقق بامتلاك سلاح متطور فحسب، بل بالتحكم الكامل في تشغيله وتطويره. التجارب التي نجحت في تقليص الاعتماد على الخارج، أو بناء منظومات دفاعية ذاتية، كانت مدفوعة برؤية استراتيجية لا تركن إلى السوق، بل إلى بناء القدرات الصناعية والعلمية.

القدرة على إنتاج السلاح محليًا، أو على الأقل تعديل واستنساخ التكنولوجيا المستوردة، هي ما يشكّل الفارق الحقيقي في ميزان الردع. أما الاستمرار في نمط الاستيراد غير المشروط، فيعني البقاء في موقع المتلقي، لا المتحكم.

خاتمة

إنفاق المليارات على منظومات لا يمكن استخدامها بحرية كاملة، أو لا تتوافق مع بيئة القرار المستقل، يعكس معضلة عميقة في بناء الأمن القومي. الردع القائم على التبعية ليس ردعًا، بل قيد مموّه.

والسلاح الذي لا تملكه تقنيًا، ولا تضمن تشغيله سياسيًا، لا يمكن اعتباره وسيلة فعّالة لحماية السيادة.


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .