
الطابور الخامس: تعريفه ووظيفته الجوهرية
الطابور الخامس مصطلح نشأ في الحروب الحديثة، ويُشير إلى قوى داخلية متعاطفة مع العدو الخارجي، تعمل سرًا لتقويض الجبهة الداخلية عبر بث الإشاعات، وتضليل الرأي العام، وتعطيل القرار السيادي، وتفكيك الثقة بين الحاكم والمحكوم، أو بين فئات الشعب نفسه.
وظيفته الأساسية ليست القتال، بل التمهيد للهزيمة. وهو لا يلبس زيًا موحدًا، بل يتقن ارتداء أقنعة الوطنية، والحياد، والموضوعية، بينما يتحرك بخيوط خفية لضرب بنية الوعي العام.
التخطيط بعيد المدى: الطابور كخلية نائمة
الطابور الخامس لا يعمل وفق منطق الفعل المباشر، بل يتبنى العمل التراكمي البطيء. يتم تجنيد عناصره بهدوء، وتُمنح مواقع في الإعلام، والجامعات، والمؤسسات الثقافية والمالية، وأحيانًا في مراكز القرار نفسها.
يُدرب على تكتيكات التأثير غير المباشر:
- بث الإحباط السياسي: إشاعة أن "التغيير مستحيل"، و"كل شيء عبثي".
- تشويه الرموز المقاومة: التقليل من شأن أي تيار وطني أو حركة تحرر.
- تجميل صورة العدو: عبر خطاب "التعايش"، و"الانفتاح"، و"التطبيع الواقعي".
- تحريف الأولويات: جعل القضايا الثقافية أو الهوياتية تغطي على الاحتلال والفساد والهيمنة.
يظل الطابور في وضعية "سبات" حتى تحين لحظة الانقضاض، سواء عند اندلاع أزمة كبرى أو خلال عدوان خارجي. حينها، يبدأ تنشيطه كخلية منسّقة تُربك الداخل وتفتح الثغرات.
أدوات الطابور الخامس في الواقع العربي
في السياق العربي، يمتلك الطابور الخامس أدوات متعددة، تختلف من دولة لأخرى، لكنها تلتقي في الهدف:
- الإعلام الموجّه: عبر قنوات تنطق بلسان الخارج، وتُسوّق للهزيمة الناعمة.
- منظمات مدنية بتمويل خارجي: تعمل تحت عناوين براقة، بينما تُنفذ أجندات ناعمة لضرب الثقة بالمجتمع والدولة.
- نخب فكرية هجينة: تحرّف المفاهيم، وتُفرغ القيم من مضمونها الوطني والقومي.
- منابر دينية موظّفة: تُطوّع النصوص لتبرير الخضوع، وتحرم المقاومة.
- مواقع التواصل: منصات تُستخدم لتضليل وتزييف الوعي الجمعي عبر الجيوش الإلكترونية.
ساعة الصفر: متى يتحرك الطابور؟
لا يتحرك الطابور إلا حين يكون الجو مهيئًا:
- أزمة سياسية حادة.
- انقسام داخلي.
- تدخل خارجي وشيك.
- انهيار اقتصادي يُربك الدولة والمجتمع.
في هذه اللحظات، يُفعل الطابور كمحرك للفوضى، ومبرر للوصاية الخارجية، ومروج لحلول العدو باعتبارها "الطوق الوحيد للنجاة".
من مقاومة العدو إلى مقاومة التسلل
الطابور الخامس أخطر من الجيوش، لأنه يتخفى في ثياب "المصلح" و"العاقل"، ويضرب من الداخل حين ينام الجميع على وسادة الثقة.
ولا يمكن مواجهته فقط بالأمن، بل بالوعي الشعبي الناقد، القادر على تمييز الخطاب المسموم من الصادق، وعلى كشف الأجندات التي تُدار من خارج الحدود بألسن عربية.
الخلاصة: من لم يفهم لعبة الداخل، سقط من الخارج
الطابور الخامس ليس شبحًا، بل حقيقة تعمل كل القوى الدولية على استثماره في كل بلد عربي.
ولن يتحصّن الداخل إلا بإعادة بناء الثقة بين الناس، وتطهير المؤسسات من عناصر الاختراق، وإنتاج نخب فكرية ومجتمعية تعرف أن الهزيمة تبدأ من كلمة، والخيانة تبدأ من فكرة، قبل أن تتحوّل إلى رصاصة.
. . . في العمق يتجلى الفرق . . .
