
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل كانت الجامعة مشروعًا وحدويًا حقيقيًا؟ أم كانت منذ البداية أداة لإدارة "القطيع" العربي وفق معايير الدول الكبرى؟
تأسيس مشبوه منذ البداية
لم يكن تأسيس الجامعة نابعًا من ضغط شعبي أو تطلع جماهيري، بل جاء بتشجيع واضح من بريطانيا، التي أرادت كيانًا عربيًا منضبطًا يضمن المصالح الاستعمارية ولا يهددها. احتضن الملك فاروق المشروع، وولدت الجامعة في ظل أنظمة وظيفية، لم تعرف الديمقراطية، ولم تُنتج قيادات وطنية مستقلة الإرادة.
لقد أنشئت الجامعة لا لتوحيد العرب، بل لتنسيقهم وفق شروط الخارج، وبموافقة أنظمة ترى في الاستقلال الحقيقي خطرًا على عروشها.
كيان عاجز في وجه الكوارث
من فلسطين إلى العراق، ومن لبنان إلى ليبيا وسوريا واليمن، لم تتحرك الجامعة إلا لإصدار بيانات القلق، أو لتجميد عضوية، أو لدعم تدخل أجنبي. أبرز محطات فشلها:
- العراق 2003: لم تمانع الغزو الأميركي، ولم تقدّم أي دعم فعلي للشعب العراقي.
- ليبيا 2011: طلبت فرض حظر جوي، ما فتح الباب لتدخل الناتو وسقوط الدولة.
- سوريا 2012: جمّدت العضوية، وسلمت المقعد لمعارضة مختارة، بينما تُركت البلاد للدمار.
وحتى في القضايا الاقتصادية، ظلّ "السوق العربي المشترك" حلمًا مؤجلاً، والحدود مغلقة، والتعاون الدفاعي وهمًا على الورق فقط.
الجامعة كأداة وظيفية لا مؤسسة سيادية
الجامعة ليست سوى أداة في يد الأنظمة، تستخدمها لتجميل قرارات اتُخذت مسبقًا، وتُمرّر من خلالها التفاهمات مع الغرب. لا تمثل الشعوب، ولا تعبّر عن نبض الأمة، بل صارت واجهة عربية لتمرير الأجندات الدولية تحت شعار "التوافق العربي".
وهي لا تفشل لأنها ضعيفة فنيًا، بل لأنها مصممة كي تكون ضعيفة سياسيًا. لا تملك آلية إلزام، ولا تعبر عن إرادة شعبية، ولا تواجه الاحتلال أو الاستبداد أو الفساد.
لأن الأنظمة تخشى الوعي أكثر من الاحتلال
ما يجمع بين أنظمة الجامعة هو شيء واحد: الخوف من الوعي.
كل نظام يدرك أن أي مشروع وحدوي أو نهضوي حقيقي سيهدد شرعيته. لذا تُكرّس الجامعة لتكون مظلة لخطاب الخضوع، لا بوابة للتحرر. الإعلام الرسمي، والتعليم، وحتى الدين المُسيّس، كلهم شركاء في تغذية هذا الخطاب:
- أن "الوحدة مستحيلة".
- أن "الواقعية السياسية تقتضي التطبيع".
- أن "العدو هو الداخل المتمرد لا الخارج المحتل".
ولكن الوعي لا يُقهر… حتى في الزنازين
رغم كل القمع، لا يزال الوعي يتسرّب، وينتشر في السجون، والمنافي، وبين الكتب، وفي العقول المتحررة من الخطاب الرسمي. السجون أصبحت جامعات سياسية، يتلاقى فيها المناضلون، ويعيدون إنتاج الرؤية، ويخرجون بمشاريع فكرية تتجاوز الجدران.
لأن من يُسجن من أجل فكرة، لا يخرج منها خائفًا، بل مؤمنًا بأن سقوط الأنظمة هو الشرط الأول لأي مشروع نهضة حقيقي.
الخلاصة: لا إصلاح قبل الانهيار
الجامعة ليست بحاجة إلى إصلاح، بل إلى دفن. هي كيان بُني ليخدم الأنظمة ويضبط الشعوب، لا ليحررها.
ولن تبدأ قصة العرب الجديدة إلا بعد سقوط الأنظمة الوظيفية، وانبثاق مؤسسات نابعة من الإرادة الشعبية، تخدم الأرض والإنسان، لا السفارات والمصالح الخارجية.
. . . في العمق يتجلى الفرق . . .
