فروق: سوق المدار – خمسون عامًا من اللقاء بين المدن

Friday, May 16, 2025

سوق المدار – خمسون عامًا من اللقاء بين المدن

على مدى خمسين عامًا متصلة، ظل "سوق المدار" مركزًا نابضًا يجمع منتجات المدن من المحيط إلى الخليج.. هو السوق الذي لا تُعرَف فيه حدود، ولا تُسأل فيه المدن عن هوياتها، بل تُقدَّم فيه ثقافتها، ذوقها، وحكاياتها.
منذ تأسيسه، أصبح السوق رمزًا للتواصل الحضاري والتجاري والوجداني بين الشعوب، حيث تلتقي الحِرف، وتتصافح الأطباق، وتتحاور الأزياء، وتُقرأ الكتب بلغات القلب.. في ذكراه الخمسين، شهد السوق إقبالًا استثنائيًا من الزوار والعارضين، احتفاءً بخمس عقود من الذاكرة المشتركة.. عبر أجنحة المدار، نستعرض تفاصيل هذا الحدث الذي صار جزءًا من وجدان الناس.


المشهد الأول: طريق الوافدين

الطرق البرية تنبض بالحياة، تمتد بلا نهاية من كل المدن الكبرى:
من الرباط إلى بغداد، من بيروت إلى الخرطوم، من مسقط إلى نواكشوط
شاحنات، قوافل، حافلات قديمة، وخيول، ودراجات… كلها تتجه إلى مكان واحد.


المشهد الثاني: البوابة الكبرى لسوق المدار

في مدينة عمّان، قلب الجغرافيا وملتقى الطرق، حيث البحر قريب والصحراء ناعمة، تنتصب البوابة الكبرى، دون حُراس، دون حواجز، دون لافتات إدارية.
تُفتح الأبواب، لا لتفتيش، بل للدهشة.


المشهد الثالث: رواق الصناعات اليدوية

فخار من تونس، سلال من سوسة، نحاس من فاس، خشب محفور من صنعاء، خناجر من ظفار، نسيج من الكوفة، فضة من نجران، قش من السودان.
المكان ينبض بالأيدي لا بالآلات.


المشهد الرابع: حدائق الذوق الزراعي

القطن المصري، الزيتون الفلسطيني، التمر الجزائري، البن اليمني، الزعفران المغربي، الرمان الدمشقي، البرتقال الغزاوي، العنب العراقي، المشمش اللبناني، القمح السوداني، التين الليبي.
كل أرض جلبت أثمر ما أنبتته لتعرضه لا للبيع، بل للعرض والاعتزاز.


المشهد الخامس: ركن الملابس

كل زيّ يحكي قصة:
العباءة العراقية، الثوب الفلسطيني المطرز، القفطان المغربي، الدراعة الموريتانية، الجلباب المصري، الكندورة الخليجية، السروال التونسي، العمامة السودانية…
كلها تُلبَس بفخر، لا في فلكلور، بل في حضور حي.


المشهد السادس: زوايا القصص والذاكرة

سوق خاص بالقصّاصين.
كل مدينة أرسلت شاعرها أو راويها:
من نزار إلى السياب، من محمد شكري إلى درويش، من الطاهر وطار إلى أحمد مطر.
كل صوت يقرأ قصة من بلاده… ثم يختفي.


المشهد السابع: بيت الصمت – جناح الكتب

أجنحة الكتب الصامتة، لا تباع فيها الكتب، بل تُقرأ.
كل قارئ يضع كتابه بعد الانتهاء، ويكتب ملاحظة داخل غلافه للذي سيقرأه بعده.


المشهد الثامن: متحف الطفولة المشتركة

لُعب من الخشب، دفاتر مدرسية قديمة، صور جماعية، أناشيد صباحية من الإذاعات المدرسية:
"موطني، موطني…"
زوار المعرض لا يضحكون.
هم يسترجعون أنفسهم.


المشهد التاسع: محطات الصوت

محطات إذاعية صغيرة، تبث أصوات المدن:

  • أذان من القيروان،
  • أغاني من عدن،
  • نشرات قديمة من صوت العرب،
  • شتائم ودّية من المقاهي البيروتية،
  • دعاء مسافر من صنعاء،
  • وهسهسة بحر من المنستير.


المشهد العاشر: الحرفيون الجوالون

وسط السوق، لا دكاكين، بل حِرفيون يتجولون:

  • منجد من نابلس يحمل قطنه ويدور.
  • صيّاغ من صنعاء يحمل أدواته ويرسم أسماء الزوار على الفضة.
  • خباز من المنامة يفرد العجين على صفيحة نحاس.
  • حداد من الكرك يُصلح أبوابًا حديدية كأنها رموز.


المشهد الحادي عشر: صالون الزمن الجميل

مقاعد قديمة، راديوهات كبيرة، تلفزيونات بالأبيض والأسود تعرض:

  • عبدالحليم يغني،
  • أُم كلثوم تمجّد،
  • أحمد زكي يمثل،
  • سميرة توفيق تضحك.


المشهد الثاني عشر: قبة الفلك والخرائط

خريطة كبيرة مرسومة يدويًا، لا تعرف حدودًا، بل تعرف مسارات التجارة،

  • مسارات الحجيج،
  • مسارات الشعراء،
  • مسارات الغيم.


المشهد الثالث عشر: مرافئ المدار – حيث تصل الزوارق من بعيد

زوارق من صور، وعدن، وطنجة، ترسو وتفرغ الزيتون، البنّ، الأقمشة، والقصص.
هنا لا جمارك، بل فرق موسيقية تستقبل كل قارب بنغمة.


المشهد الرابع عشر: ركن الذواقة – حيث تطبخ المدن ذاكرتها

لا مطاعم.
بل طقوس مذاق.
لقمة واحدة من كل مدينة، تُقدّم كذكرى:
تمر، لبن، عسل، خبز تنور، كنافة، لبنة، سمن، زعتر، فول، قهوة.
من تذوّق… تذكّر.


المشهد الخامس عشر: ساحة المدار الكبرى – احتفالية الخمسين عامًا

أكبر احتفال عرفه السوق منذ إنشائه.
موكب المدن، العشاء الجماعي، عزف اللحن المشترك، وعبارات الحب الصامتة.
كتب على الأرض:

"ما كان حلمًا، صار عادة… وما صار عادة، صار وطنًا."


المشهد الأخير: اليقظة – حيث تنكسر النافذة

كل شيء ينحلّ.
يذوب.
ينكسر.
تعود الأسلاك الشائكة.
تُسحب الخرائط.
يُطلب الجواز.
تُطرح الأسئلة: "من أنت؟ من أين أتيت؟"

وكل من حلم،
استيقظ على جدار.


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .