
البداية: الصين كأداة ضد موسكو
في سبعينيات القرن الماضي، قررت أمريكا مد اليد لبكين، لا حبًا فيها، بل طمعًا في شق صف الكتلة الشيوعية. فجاءت زيارة الرئيس نيكسون إلى الصين عام 1972 كخطوة استراتيجية لعزل الاتحاد السوفييتي. كانت الصين آنذاك ضعيفة، تعاني من تبعات الثورة الثقافية، ولا تمتلك مقومات المنافسة. لكنها مثّلت ورقة مهمة على رقعة الحرب الباردة.
ومع الوقت، بدأت واشنطن تنظر إلى الصين كفرصة اقتصادية:
- سوق استهلاكية هائلة.
- يد عاملة رخيصة.
- نظام مركزي يسهل التفاوض معه.
منظمة التجارة العالمية: لحظة التحوّل الكبير
حين دخلت الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، لم تكن تلك لحظة دمج اقتصادي فحسب، بل كانت لحظة ولادة خصم جديد داخل قلب النظام الليبرالي الذي تقوده أمريكا. الشركات الأمريكية هرعت إلى الصين:
- مصانع آبل، نايكي، جنرال موتورز، وغيرها، بدأت الإنتاج هناك.
- تم نقل المعرفة التقنية، وسلاسل الإمداد، بل وحتى ثقافة الإدارة الغربية.
- وبدأ التنين يستيقظ، متغذياً على ما صُنع له في واشنطن.
رهان أمريكا الخاسر: التجارة تُنتج الديمقراطية!
تصورت النخبة السياسية الأمريكية أن دمج الصين اقتصادياً سيقود حتماً إلى انفتاح سياسي وديمقراطي. كان هذا الرهان نابعًا من الغرور الليبرالي الذي يرى أن كل العالم سيسير في طريق الغرب. لكن الصين فعلت العكس:
- استخدمت السوق لتعزيز قبضتها السياسية.
- منعت الشركات الأمريكية من السيطرة على الفضاء الرقمي، وخلقت بدائل محلية تنافسها.
- وبَنَت نموذجًا رأسماليًا تحت عباءة الدولة، لا يُشبه النموذج الغربي، بل يتحداه.
اليوم: خصم قوي صنعته اليد الأمريكية
ما نراه اليوم ليس صدفة، بل نتيجة مباشرة لصناعة أمريكية:
- الصين تمتلك ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
- تقود مبادرات استراتيجية مثل "الحزام والطريق".
- تنافس أمريكا في الذكاء الصناعي، الفضاء، والبنية التحتية العالمية.
- وتشكل نموذجًا بديلًا للنظام الليبرالي الغربي، يجد صداه في عواصم عديدة.
خاتمة: التفصيل الأمريكي... والمقاس الصيني
لم يكن الخطأ في تصنيع الصين، بل في تفصيلها على مقاس الطموح الأمريكي الضيق. أرادت واشنطن شريكًا مطيعًا، فأنجبت منافسًا شرسًا. أرادت سوقًا للاستهلاك، فصنعت مصنعًا للهيمنة. أرادت نسخة منقحة من نفسها، فخرج لها نموذجٌ لا يعترف بها.
"صُنع في أمريكا"، نعم...
لكن هذه المرة، كان المنتج خارج السيطرة، والنتائج أكبر من التصور.
. . . في العمق يتجلى الفرق . . .
