
وحدة مصطنعة أم استثمار في العاطفة؟
الخطابات التي رافقت سردية "الحلم العربي" لم تكن تنبع من واقع شعبي مشترك بقدر ما كانت انعكاسًا لصراعات النخب ومشاريع الأنظمة. فالوحدة، كما صوِّرت، بدت دومًا خطابًا فوقيًا لا شعبيًا؛ نداءات تكررت في الإعلام الرسمي، بينما ظل الواقع ينضح بالتجزئة، والصراعات البينية، والحدود المصطنعة.
دور الإعلام في صناعة الحلم الزائف
ساهم الإعلام العربي – الرسمي منه والتابع – في تأبيد هذا "الحلم" من خلال آليات خطابية تقوم على التكرار الرمزي، والشحن العاطفي، وإبراز النماذج القومية بصورة طوباوية مفارقة للواقع. لم يكن الحلم يُقدَّم كاستحقاق بنيوي، بل كأمنية مؤجلة لا تكتمل إلا في أناشيد الحماسة وبرامج المناسبات القومية.
لماذا لم يتحوّل الحلم إلى مشروع؟
لأن الحلم العربي لم يُبنَ على تصورات عملية للتحول السياسي أو النهضة الثقافية أو الاستقلال الحضاري. لم يُدعّم بخطاب معرفي أو مشروع مجتمعي، بل وُظّف – غالبًا – كستار للشرعنة الداخلية، أو كواجهة للخطاب الخارجي، دون الالتفات إلى إعادة بناء الإنسان العربي ذاته.
الحلم كأداة ضبط لا كرافعة تحرر
تحوّل "الحلم العربي" إلى أداة لإدارة الجماهير؛ يُستخدم لحرف الوعي عن القضايا العميقة، ويُستدعى عند الحاجة لتوحيد الرأي خلف زعيم، أو لتبرير إخفاق، أو لتسكين الإحباط. إنه من نوع الأحلام التي تُبنى كي لا تُنجز، بل كي تظل قائمة بوصفها طوق نجاة وهمي، لا خريطة خلاص فعلي.
من الحلم إلى الصحوة.. تفكيك ضروري
المطلوب اليوم ليس إنعاش الحلم، بل تفكيكه، وكشف بنيته الخطابية وأدوات توظيفه، للانتقال من الوهم الجمعي إلى الوعي النقدي. لم يعد مجديًا أن نعيد تدوير شعارات الستينات بواجهات حديثة، بل أن نُعيد طرح الأسئلة الأساسية: ما المشروع؟ من الفاعل؟ وما شروط التحرر؟ وهل يكفي الحلم حين تكون أدوات الواقع مسلوبة؟
تحطيم مشروع الحلم.. لمشروع تحرر حقيقي
ليس المطلوب إذًا استبدال حلم بحلم، بل استبدال الوظيفة التي يؤديها الحلم. فبينما كان "الحلم العربي" يُستخدم كوسيلة تخدير رمزية، فإن ما نحتاجه اليوم هو مشروع تحرر حقيقي يُبنى على الوعي، لا على التهييج. مشروع لا يَعِدُ بالوحدة كغاية، بل يزرع شروط السيادة كوسيلة. مشروع يبدأ من مساءلة المفاهيم لا ترديدها، ومن تحرير الإنسان قبل تحرير الأرض. فتحطيم سردية "الحلم العربي" لا يعني التخلي عن طموحات الأمة، بل التحرر من أوهامها، لنبدأ صياغة الواقع لا تزيينه، واسترداد الفعل بدل انتظار المعجزة.