
مع استمرار الحرب المفتوحة بين إيران وإسرائيل، تترقّب العواصم العربية الحدث الأخطر في المنطقة منذ غزو العراق، وسط صمت ثقيل يكشف أكثر مما يخفي. فالدول العربية، وإن لم تكن طرفًا مباشرًا في الحرب، إلا أن نيرانها تقترب من أطراف ثيابها، وحدودها، ومصالحها، بل وأمنها الداخلي.
في هذه الحلقة، نحلّل الموقف العربي الحالي، ونفكّك ما يجب فعله استراتيجيًا في هذا المنعطف الإقليمي الحرج.
أولًا: المواقف العربية الحالية – حسابات الصمت الحذر
1. دول الخليج (السعودية، الإمارات، قطر، الكويت، البحرين)
- تُفضّل المراقبة عن بعد وتجنّب التصعيد الإعلامي.
- الخشية الأولى: أن تُستهدف منشآتها النفطية بصواريخ إيرانية إذا توسّع نطاق الحرب.
- بعض هذه الدول تُسهّل من خلف الستار نشاطًا لوجستيًا أمريكيًا (مراقبة جوية، دعم استخباراتي)، لكن دون إعلان.
2. الأردن
- يقع على خط النار سياسيًا وجغرافيًا.
- يستضيف بنى تحتية أمريكية حساسة ومراقبة جوية قرب الجبهة الإسرائيلية.
- يخشى من زعزعة أمنه عبر الجنوب السوري أو في الداخل، إذا استمرت الحرب وتوسعت.
3. مصر
- تلتزم الصمت الحذر، لكنها تتحرّك في الخفاء سياسيًا لتجنب التصعيد، خصوصًا خشية التبعات على قطاع غزة وسيناء.
- تسعى للحفاظ على توازن دقيق بين معاهدة السلام مع إسرائيل، وعدم الانحياز ضد إيران علنًا.
4. العراق وسوريا ولبنان
- ساحة جاهزة للحرب بالوكالة.
- تنتشر فيها ميليشيات مرتبطة بطهران يمكن استخدامها للرد على إسرائيل أو أمريكا.
- هذه الدول عمليًا ليست صانعة قرار في الحرب، بل أراضٍ مخترقة تُستخدم دون إذن.
5. دول المغرب العربي
- بعيدة عن النار جغرافيًا، لكنّ مواقفها تتفاوت.
- الجزائر تميل إلى خطاب داعم لإيران ضمنيًا (بسبب عدائها لإسرائيل).
- المغرب في موقع محرج بعد التطبيع، ويتجنّب التصعيد السياسي.
ثانيًا: ما المطلوب من الدول العربية؟
حين يكون الصمت مكلفًا
- لا يمكن للعرب أن يبقوا مجرّد متفرّجين.
- يجب بناء موقف عربي مستقل، يرفض التوسع الإيراني، ويرفض أيضًا أن تتحول إسرائيل إلى قوة فرض واقع دائم في الإقليم.
- تعزيز الدفاعات الجوية، حماية المنشآت الحيوية، ومراقبة النشاط السيبراني.
- منع استغلال الفوضى لإشعال احتجاجات داخلية أو اختراق إعلامي.
- ضبط حدود العراق وسوريا ولبنان سياديًا.
- لا يجب أن تتحوّل أراضي العرب إلى أوراق ضغط إيرانية أو ساحات رد أمريكية.
- يجب تفعيل دور جامعة الدول العربية، أو على الأقل تحرّك محور خليجي–مصري–أردني لصياغة مبادرة تهدئة.
- الهدف: منع اتساع الحرب إلى الإقليم، والحفاظ على استقرار سوق الطاقة والأمن البحري.
- لا ينبغي الارتهان الكامل لأي محور خارجي.
- المطلوب: خطاب عربي لا ينحاز لإسرائيل لمجرد الخوف من إيران، ولا يساير إيران بدعوى مقاومة إسرائيل.
خاتمة
الحرب الإيرانية الإسرائيلية ليست صراعًا على أطراف الخريطة، بل زلزالًا يمتد تحت أقدام الدول العربية. والخيار ليس بين الحرب والسلام، بل بين أن يكون العرب صُنّاع قرار… أو مجرد وقود في معركة غيرهم.
إن الصمت ليس حيادًا، بل مساهمة في مآلات لم تُستشر بها الشعوب ولا الأنظمة. والمنطقة لن تبقى كما كانت بعد هذه الحرب، فإما أن يُعاد ترتيبها بموافقة أصحاب الأرض، أو تُفرَض عليها خرائط جديدة من السماء.