
وما جرى في حربها مع إيران في يونيو 2025 ليس مجرد دعم أمريكي، بل دليل ساطع على حدود ما تستطيع تل أبيب فعله، ومتى يُسمح لها بالفعل.
اللحظة التي تعطّلت فيها اليد الإسرائيلية
حين بدأت إسرائيل حملتها ضد إيران، أظهرت ثقة هجومية مفرطة، كما لو أنها تملك المبادرة بالكامل. لكن سرعان ما ظهرت الحقيقة:
- لم تستطع استهداف المنشآت النووية الإيرانية الحساسة إلا بعد أن شاركت أمريكا بنفسها في القصف.
- لم تُفتح جبهة لبنان، ولا العراق، إلا بعد التوافق مع القيادة العسكرية الأمريكية.
- حتى قرارات الردع والتصعيد لم تخرج من تل أبيب، بل من مشاورات أمريكية إسرائيلية مغلقة.
توقّفت إسرائيل عند السقف المرسوم لها، حتى حين بدا أنها قادرة على توسيع المعركة، لأنها لم تُمنح الضوء الأخضر الأمريكي الكامل. هذه ليست شراكة. هذه خريطة قيادة واحدة يتدرّج فيها القرار من المركز إلى الهامش.
من "الحليف" إلى "القاعدة المتقدمة"
العلاقة بين أمريكا وإسرائيل لا تُشبه العلاقات التقليدية بين حلفاء. فهي لا تقوم على المصلحة المتبادلة فحسب، بل على نموذج الهيمنة والتوجيه:
- الولايات المتحدة تموّل، تسلّح، تحمي دبلوماسيًا، وتفاوض باسم إسرائيل أحيانًا.
- وفي المقابل، تؤدي إسرائيل وظيفة دائمة: ضمان تفوّق عسكري غربي دائم في قلب الشرق الأوسط، والتدخل عند الحاجة لإرباك أي مشروع مقاومة إقليمي.
وهذا ما يجعلها أشبه بقاعدة عسكرية ضخمة، تمتلك شكلاً سياسيًا مستقلاً، لكن قرارها السيادي معلّق دومًا بموافقة القائد الأعلى: واشنطن.
السيادة الشكلية والقرار المركزي
الدولة الحديثة تُقاس بسيادتها. لا بالمظهر، بل بالقدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية كبرى دون وصاية.
فهل تستطيع إسرائيل أن:
- تبدأ حربًا شاملة دون موافقة أمريكية؟
- تستخدم سلاحها النووي دون إذن؟
- تتصرف في ملفات كبرى مثل لبنان أو سوريا أو الخليج بمعزل عن البيت الأبيض؟
الجواب يتكرر في كل مرة: لا.
ما لدى إسرائيل هو سيادة تكتيكية، أما الاستراتيجية فهي أمريكية صِرفة.
عندما تنقذها أمريكا من نفسها
في أكثر من حرب، وحين كانت إسرائيل على وشك الانهيار المعنوي أو العسكري، تدخلت واشنطن لتُنقذها:
- في 1973، جسر جوي أمريكي قلب موازين المعركة.
- في 2006، منعت أمريكا سقوط تل أبيب سياسيًا رغم إخفاقها في لبنان.
- وفي 2025، تدخلت أمريكا عسكريًا لأول مرة لتقصف إيران بدلًا من إسرائيل.
لو كانت دولة حقيقية مستقلة، لتصرّفت حين أرادت، ولم تنتظر من يُنقذها، أو من يأذن لها بالتحرك.
الفرق بين الدولة الوظيفية والدولة السيادية
الدولة السيادية تتصرف وفق مصالحها، وتتحمل تبعات قراراتها.
أما الدولة الوظيفية، فهي التي تُنشأ وتُوجَّه لتؤدي دورًا محددًا داخل مشروع دولي أكبر.
وإسرائيل – وفق هذا التصور – ليست إلا رأس جسر غربي دائم في المنطقة، يُعاد تشكيل دورها حسب الحاجة، ويُضبط حجم تصعيدها وفقًا لمصالح المركز.
خاتمة:
قد تملك إسرائيل أقوى سلاح، وأوسع نفوذ إعلامي، وأعمق علاقات دولية، لكنها تفتقد أهم ما يجعل الدولة "دولة": القرار السيادي الاستراتيجي.
ومع كل حرب جديدة، يتضح أكثر أنها لا تملك أن تبدأ معركة كبرى… ولا أن تنهيها دون أمرٍ من واشنطن.