سلسلة: رجال من زمن السقوط: الذين حملوا الشعلة حين خبت الراية

حين تتحوّل الهزيمة إلى وعي، والإنسان إلى فكرة تُشعل النهوض

في عام 1924، لم تسقط فقط آخر خلافة جمعت المسلمين تحت راية واحدة.
لقد سقط الإجماع الرمزي، وتهاوت آخر حصون الهوية الجامعة، وبدأ قرنٌ من التمزق والارتهان، لا على مستوى الجغرافيا فحسب، بل على مستوى الروح.

في ذلك الفراغ الهائل، حيث تخلّى العالم عن كل مشروع وحدوي،
ونهضت القوميات القُطرية على أنقاض الأمة،

لم يكن متاحًا إلا خياران:
إما الاستسلام والانصهار،
أو أن ينهض رجالٌ… يقاومون السقوط لا بالسلاح فقط، بل بالفكرة.

هذه ليست سلسلة تمجيد… بل بعث للمعنى

نحن لا نكتب هنا عن سِيَر أشخاص،
بل عن لحظات تحوّلت فيها الذات الفردية إلى مشروع جمعي.
عن أولئك الذين لم ينتظروا نداء أحد،
بل أشعلوا النور في الظلمة، ونحتوا الطريق في الخراب.

ماذا يجمع هؤلاء الرجال؟

بعضهم مفكر، وبعضهم مجاهد، وبعضهم شاعر، وبعضهم قائد.
لكنهم جميعًا واجهوا العالم بعد انهيار مركزه،
وساروا عكس التيار،
كلٌ بطريقته،
لكنهم جميعًا حملوا رسالة:
أن الأمة لا تموت بسقوط دولتها… إن كان في أبنائها من ينهض بفكرتها.

الرموز التي نهضت بعد السقوط:

  1. مالكوم إكس (1925–1965): أميركي أفريقي تمرّد على الظلم العنصري، فاعتنق الإسلام، وحوّل قضيته من صراع عِرقي إلى مشروع تحرري عالمي.
  2. عمر المختار (1862–1931): شيخٌ قاوم إمبراطورية، وسقط جسدًا… لكنه صار رمزًا فوق الزمان.
  3. عبد القادر الجزائري (1808–1883): جمع بين السيف والقلم، والجهاد والعفو، وصاغ مفهومًا مبكرًا للهوية المقاومة.
  4. عبد الله عزام (1941–1989): أعاد للجهاد معناه الرسالي، وربطه بالفكرة لا فقط بالسلاح.
  5. الأمير عبد الكريم الخطابي (1882–1963): بطل الريف، قاوم فرنسا وإسبانيا، وأسّس أول جمهورية مقاومة، قبل أن تُخنق غدرًا.
  6. عز الدين القسام (1882–1935): مات قبل ثورته، لكن اسمه صار بندقية لكل مقاوم في فلسطين.
  7. حسن البنا (1906–1949): دعا، وربّى، وبنى، وصاغ ملامح مشروع شامل لنهضة الأمة من جذورها.
  8. رحمة الله الهندي (1857–1891): واجه التشويه الاستعماري للعقيدة بالحجة والبرهان، وكشف زيف الآخر على أرضه.
  9. سيد قطب (1906–1966): لم يكتب فكرًا دعويًا تقليديًا، بل أعاد تعريف المسلم ككائن تغييري في مواجهة الطاغوت.
  10. مالك بن نبي (1905–1973): من أوائل من شخّصوا قابلية الاستعمار فينا، ودعوا لبناء الإنسان أولًا.
  11. محمد إقبال (1877–1938): شاعرٌ وفيلسوف، رسم ملامح الإنسان المسلم القادر على ارتياد آفاق الوجود دون خنوع.
  12. البشير الإبراهيمي (1893–1965): شريكُ ابن باديس في اليقظة، ومجددٌ أدبي دافع عن الإسلام والعربية والعقل النقدي في وجه التغريب.
  13. عبد الحميد بن باديس (1889–1940): أطلق ثورة فكرية ضد الاستعمار الثقافي، وردّ للشعب الجزائري لسانه وهويته ودينه.
  14. مراد هوفمان (1931–2020): عقل ألماني نقدي، اعتنق الإسلام ونافح عنه بلغة الغرب، كاشفًا عمق المنظومة القرآنية وتحديها للفكر المادي.
  15. علي عزت بيغوفيتش (1925–2003): مفكرٌ رئيس، قاوم بالتنظير والفعل، وربط بين الإسلام والحرية والإنسان.
  16. علي شريعتي  (1933–1977): مفكر الثورة الإيرانية الأول، صاغ مشروعًا للتحرر الديني من الاستبداد والتشيّع الصفوي، ودعا إلى إسلامٍ ثوريّ حر.
  17. أحمد ديدات (1918–2005): فارس المناظرات، استخدم أدوات الغرب لإثبات صدق الإسلام، وردّ افتراءات المبشّرين بحجج قاطعة وبأسلوب عصري.
  18. يوسف العظمة (1884–1920): وزير دفاع سوريا، واجه الغزو الفرنسي بلا توازن قوى، لكنه أسّس بدمه مبدأ المقاومة وعدم الاستسلام.
  19. عبد القادر الحسيني (1907–1948): قائد ميداني ومثقف مقاوم، وحَّد بين الكفاح العسكري والبُعد الوطني في وجه الاحتلال الصهيوني.
  20. محمد أسد (1900–1992): مستشرقٌ يهودي اعتنق الإسلام، وجسّد التحول من عقلية الاستشراق إلى رسالة الإسلام، مترجمًا القرآن بلغة العصر، ومبشّرًا بفكرٍ يعانق الحرية والعقل.

لماذا نكتب عنهم الآن؟

لأننا نعيش في عالمٍ يُزيّف الرموز،
ويُفرغهم من المعنى،
إما بالتمجيد الزائف،
أو بالتشويه الممنهج.

فنعود إليهم لا لنُقلّدهم،
بل لنستخرج جوهرهم:
كيف صنعوا الوعي حين سقطت الرايات؟
وكيف زرعوا بذورًا ستثمر مهما طال الغياب؟

أحدث أقدم
🏠