
لكن النظرة التحليلية تُظهر أن الفقر - في كثير من حالاته - ليس قدرًا، بل نتيجة هندسة مقصودة. بعض الدول لم تُفقر لأنها فشلت، بل فُقِّرت لأنها نجحت أكثر مما ينبغي. وبعضها الآخر حُدِّد له سلفًا دور وظيفي: أن يبقى مستودعًا للثروات، لا شريكًا في استثمارها.
في هذه السلسلة، نكشف خريطة الدول التي لم تُترك لتفشل، بل صُمّمت لتفشل.
بعض الدول تُولد فقيرة...
لكن البعض الآخر يُفقَر عمدًا، ويُدار كنقطة استخراج، لا كوطن.
هناك من تُنهَب ثرواته باسم التنمية، وتُصمَت أصواته باسم الاستقرار،
ويُعاد تشكيله كـ"دولة فاشلة" كي لا يُسمح له بالنجاح أصلًا.
وفي هذا الملف من "فروق"، لا نكتب عن الكوارث الطبيعية،
بل عن هندسة سياسية واقتصادية تُحيل الدول إلى كيانات تابعة وظيفيًا،
سواء كانت هذه التبعية عبر الفقر الظاهر، أو عبر الرفاه المُزيّف.
لماذا هذه السلسلة؟
لأن سردية الإعلام تميل إلى لوم "سوء الإدارة" فقط،
وتُغفل الشبكات الدولية التي تصنع الفشل، وتُغذّيه، وتستثمر فيه.
نحن لا نتغافل عن الفساد المحلي،
لكننا نراه أداة في منظومة، لا أصل المرض.
الدول التي سنفتح ملفاتها:
نُقسمها هنا حسب نمط التفقير وآلياته:
أولًا: التفقير الاستنزافي المباشر – نهب الموارد وتعطيل الدولة
- اليمن : موقع جيواستراتيجي مذهل، وثروات معطّلة، ودولة مُفخخة بالصراعات الداخلية والمصالح الخارجية.
- لبنان : من مركز مصرفي وثقافي إلى اقتصاد ريعي طائفي مُفلس، تُدار أزمته بالإعانات لا بالبناء.
- ناورو : دولة صغيرة كانت تملك ثروة فوسفات ضخمة، أصبحت جزيرة بلا تربة، بلا مستقبل، وتحوّلت إلى مركز احتجاز أسترالي.
- غينيا الاستوائية : بلد نفطي تُدار ثروته كحساب شخصي، ومواطنوه غرباء في ظل النخبة الحاكمة الغنية حدّ الوقاحة.
- هايتي : أول جمهورية سوداء في التاريخ، دُفعت لتسديد "ثمن حريتها" لفرنسا، ثم أُغرقت في الفوضى والفقر المدعوم دوليًا.
- الكونغو الديمقراطية : خزان المعادن النادرة للعالم، وحرب لا تنتهي… لأن استمرار النزاع يخدم شركات الإلكترونيات والطاقة.
ثانيًا: التفقير الناعم – بيع السيادة على هيئة رفاه
ثالثا: دول يُفترض أن تُستثنى من هذه السلسلة:
(فقرها ليس ناتجًا عن هندسة خارجية مقصودة، بل عن هشاشة داخلية أو خيارات سياسية خاطئة)
- فنزويلا : صراع داخلي على نموذج الحكم، لا مشروع خارجي لتجريدها من القرار.
- زيمبابوي : انهيار ناتج عن سياسة طرد المستثمرين والإصلاح الزراعي القسري.
- باكستان : أزمة مركّبة، لكن التبعية فيها خيار سياسي لا نتيجة احتلال اقتصادي مباشر.
- كوريا الشمالية : ولة مغلقة اختارت قيدها السياسي، ولو على حساب تجويع شعبها.
- إيران : أزمة معيشية خانقة ناتجة عن الداخل والخارج، لكنها لم تُخصخص سيادتها.
- تركيا : موذج تنموي اختياري يعتمد على القروض والاندماج المالي، لا على الاستعمار الاقتصادي.
- ماليزيا : منظومة تبعية مقنّعة داخل نجاح شكلي، ترتكز على استثمارات أجنبية لا على إنتاج ذاتي.
- إندونيسيا : بنية استنزاف اقتصادي موروثة تُدار بتجميل سياسي لا بتحرر سيادي.
- مصر : فقر متصاعد في ظل عسكرة الاقتصاد وتبعية القرار لصندوق النقد الدولي.
- بنغلاديش : "معجزة" نمو مبنية على عرق العمال واستيراد الأسواق، لا على سيادة اقتصادية حقيقية.
- نيجيريا : موارد هائلة تُبدّد وسط الفساد والصراع الداخلي.
- نيبال : دولة فقيرة، نعم، لكنها لم تكن مستهدفة كمخزن موارد، بل تعاني من عزلة جغرافية وخيارات سياسية ضعيفة.
ماذا نكشف في هذه السلسلة؟
- أن كثيرًا من "الدول الفاشلة" صُمِّمت لتفشل.
- أن النخبة العميلة ليست صدفة، بل اختيار خارجي مدعوم.
- أن الموارد ليست نعمة دائمًا، بل تتحول إلى لعنة حين تُراد للغير.
- أن السيادة تبدأ من الاقتصاد، ولا تُنتزع دفعة واحدة، بل تُخصخص بالتدريج.
في هذه السلسلة من "فروق"، لا نبحث عن مشجب، بل عن بنية.
لا نلوم الشعوب، بل نفكك السقف الذي مُنع عنها.
لا نحلل الأعراض، بل نعرّي المرض البنيوي.
سنكتب لا لنحزن، بل لنكشف:
كيف يُصنَع الفقر كأداة سيطرة، وتُدار الدول كحقول لا كأوطان.