
لماذا امتلكت الهند القنبلة دون أن تُعاقب؟
كيف صنعت باكستان سلاحًا نوويًا بتمويل ودعم في الخفاء؟
ولماذا تُحاصر إيران منذ عقود رغم أنها وقّعت على كل الاتفاقيات ولم تُثبت عليها تهمة واحدة؟
هذا المقال يحاول أن يقدّم الإجابة التي يُخفيها الخطاب الرسمي: النووي سلاح بقاء للبعض، وذريعة حصار لغيرهم.
أولًا: الهند – القنبلة كأداة صعود لا تهديد
1. المشروع الهندي: شرعية الردع في ظل طموح عابر للقارات
منذ استقلالها عام 1947، سعت الهند إلى بناء قوة مستقلة لا تنتمي لأي محور دولي. وعندما خاضت حربًا مع الصين عام 1962، ثم شعرت بتفوّق نووي صيني، بدأ العدّ التنازلي لتبني مشروع الردع النووي.
في عام 1974، أجرت الهند تجربتها الأولى تحت مسمّى "بوذا المبتسم"، ووصفتها بـ"السلمية". لكن الرسالة كانت واضحة: الهند لا تقبل أن تبقى في ظل الاحتكار النووي الصيني.
ورغم أنها لم توقّع على معاهدة عدم الانتشار (NPT)، إلا أن الغرب لم يُعاملها كمارقة. لماذا؟ لأن الهند كانت دولة ديمقراطية، ونظامها السياسي غير معادٍ للغرب، بل يُعدّ قوة توازن في آسيا ضد الصين.
2. من التجاهل إلى الشراكة النووية
في عام 1998، أجرت الهند تجارب جديدة، وأعلنت رسميًا أنها باتت دولة نووية. فُرضت عليها عقوبات محدودة، لكنها سرعان ما رُفعت. بل أكثر من ذلك، وقّعت الهند اتفاقًا نوويًا مع الولايات المتحدة عام 2008، مكّنها من الحصول على تكنولوجيا نووية سلمية دون أن تنضم إلى NPT.
الخلاصة: السلاح النووي لم يُعتبر خطرًا حين امتلكته الهند، لأنه لا يُهدّد الهيمنة الغربية، بل يُكمّلها. القنبلة في يد الهند كانت امتدادًا لطموح مُعترف به، لا لعصيانٍ جيوسياسي.
ثانيًا: باكستان – الردع بوصفه ردًا على الهزيمة لا طموحًا للهيمنة
1. القنبلة كردّ على الجُرح البنيوي
هُزمت باكستان عام 1971 أمام الهند، وفقدت نصفها الشرقي (بنغلاديش حاليًا). هذه الهزيمة حوّلت مسارها الاستراتيجي: لا بقاء دون توازن رادع. فبدأ البرنامج النووي بتوجيه من رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو، واستُكمل سرًا بقيادة العالم عبد القدير خان، الذي حصل على معلومات من شبكة أوروبية وسوّقها عبر "السوق السوداء النووية".
لم توقّع باكستان على NPT، لكنها لم تكن هدفًا لغضب الغرب، بل على العكس: دعمتها بعض القوى الخليجية سرًا، واحتاجتها أمريكا علنًا خلال حربها ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان.
2. التجربة والاعتراف الضمني
ردّت باكستان على التجارب الهندية عام 1998 بتجارب نووية مماثلة. ورغم الإدانات الغربية، لم يُفرض عليها حصار شامل. حتى فضيحة "شبكة خان" لتسريب المعرفة النووية إلى إيران وكوريا الشمالية وليبيا، لم تُواجَه بعقوبات حقيقية.
الخلاصة: باكستان امتلكت السلاح في صمت، وقُبِل بها كأمر واقع لأن سلاحها يخدم التوازن في جنوب آسيا، ولا يُهدّد إسرائيل أو الهيمنة الغربية المباشرة.
ثالثًا: إيران – ممنوعة حتى من الحق في القدرة
1. التوقيع في زمن التبعية
وقّعت إيران على معاهدة عدم الانتشار (NPT) عام 1968، وصدّقت عليها عام 1970، في عهد الشاه محمد رضا بهلوي. وقتها كانت إيران تُوصف بأنها "شرطي الخليج" تحت رعاية أمريكية، وكانت تأمل الحصول على تكنولوجيا نووية سلمية من الغرب.
إذًا، التوقيع لم يكن التزامًا أخلاقيًا، بل جزءًا من صفقة: التزامات مقابل التكنولوجيا.
2. الثورة تُغيّر المعادلة
بعد الثورة الإسلامية عام 1979، ورثت الجمهورية الإسلامية هذا التوقيع، لكنها لم تعد جزءًا من المنظومة الغربية. بل تحوّلت إلى خصم أيديولوجي واستراتيجي، يُجاهر بعدائه لإسرائيل والولايات المتحدة، ويدعم حركات المقاومة في فلسطين ولبنان.
ورغم أن إيران لم تنسحب من NPT، وظلت تخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإنها منذ 2002 وحتى اليوم، تُعامَل وكأنها دولة على وشك تصنيع القنبلة، دون أي دليل قطعي.
3. النووي الإيراني: تهديد رمزي لا مادي
ما يُخيف الغرب ليس القنبلة التي قد تصنعها إيران، بل قدرتها على امتلاك المعرفة والبُنى التحتية. فلو أصبحت إيران "قادرة على التخصيب بنسبة عسكرية"، حتى دون أن تصنع قنبلة، فإن ذلك يضعف الردع الإسرائيلي، ويُحدِث خللًا في منظومة الهيمنة الغربية في الشرق الأوسط.
ولذلك، لا تُقبل إيران كقوة نووية محتملة، لا لأنها خطرة بذاتها، بل لأنها تمثّل مشروعًا مستقلًا لا يُدار من واشنطن.
مفارقة النظام النووي العالمي
1. المعاهدة تُقيّد الضعفاء وتُكافئ الأقوياء
- الهند وباكستان رفضتا التوقيع، وامتلكتا السلاح، وأصبحتا مقبولتين دوليًا.
- إيران وقّعت، ولم تصنع السلاح، لكنها تُحاصر منذ عقدين.
وهنا يظهر جوهر المشكلة:
معاهدة عدم الانتشار (NPT) تُقسّم العالم إلى طبقتين:
- 5 دول نووية شرعية (أمريكا، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا).
- وباقي العالم ممنوع من السلاح إلى الأبد.
لكن في الواقع، هذه المعاهدة لا تُطبّق إلا على من لا يملك حمايةً سياسية، أو من يرفض الدخول في بيت الطاعة الغربي.
الخاتمة:
القنبلة ليست خطًا أحمر تقنيًا، بل حدًّا سياسيًا. تُسمح لمن يندمج، وتُحرّم على من يقاوم.
ولذلك، فالمشكلة مع إيران لم تكن يومًا في أجهزة الطرد المركزي، بل في قرارها السيادي المستقل.
فالعقاب ليس على السلاح، بل على حق امتلاك الإرادة.