ما الإعلام؟ ومن يملكه؟ : تفكيك البنية قبل تفكيك الرسالة

ما الإعلام؟ ومن يملكه؟

تفكيك البنية قبل تفكيك الرسالة

في كل لحظة، هناك من يُخبرك بما يحدث في العالم، بل ويقنعك أن ما يختاره لك من أحداث هو الواقع كله. لكن هل الإعلام مرآة للواقع فعلًا؟ أم أنه مصنعٌ يختار ما يُظهِر، ويخفي ما لا يخدم الرواية المرغوبة؟
لفهم التضليل الإعلامي، لا يكفي أن نحلل المحتوى، بل يجب أن نعود إلى البنية: ما الإعلام؟ من يملكه؟ ولماذا؟

الإعلام: من الإبلاغ إلى الهيمنة

كلمة "إعلام" توحي، للوهلة الأولى، بالفعل النبيل المرتبط بالإبلاغ والتنوير. لكن في الواقع الحديث، لم يعد الإعلام مجرد ناقل للمعلومة، بل أصبح وسيطًا معرفيًا يعيد تشكيل الواقع وفقًا لزاوية محددة. الإعلام لا يقول لك فقط ما الذي حدث، بل يجيب ضمنيًا على سؤال: ما الذي يستحق أن يُقال؟.

الملكية هي مفتاح الفهم

عندما نتساءل "من يملك الإعلام؟"، فنحن لا نطرح سؤالًا ماليًا فقط، بل سؤالًا سياسيًا – أيديولوجيًا – وجوديًا.
في العالم المعاصر، وسائل الإعلام الكبرى مملوكة إما لشركات احتكارية (مثل Disney، News Corp، Comcast)، أو مرتبطة بدول وأجهزة أمنية، أو خاضعة لنخب اقتصادية تمولها وتتحكم في أجندتها.

ما يُقدَّم لك بوصفه "حياديًا" هو، غالبًا، منتج مُصفّى مرّ عبر مصافي التمويل والرقابة والسياسات التحريرية الخفية.

الإعلام لا يعرض الواقع… بل يُعيد ترتيبه

أنت لا ترى العالم كما هو، بل كما اختار الإعلام أن ترتبه.
يُخبرونك عن حدث ما، لكن:

  • من اختار زاوية التغطية؟
  • من قرر مَن هو "الضحية" ومن هو "الجاني"؟
  • من انتقى الضيوف والخبراء؟
  • من قرر أن هذا الخبر "عاجل"، بينما آخر تم دفنه في الهامش؟

هنا تظهر الحقيقة المقلقة: الإعلام لا يكذب دائمًا، لكنه دائمًا ينتقي، وكل انتقاء هو تحيّز.

النموذج الاستهلاكي: إعلام بلا ذاكرة

أحد أعمق وجوه التضليل هو أن الإعلام الحديث يُعاني من فقدان متعمد للذاكرة.
لا يُسمَح للمشاهد أن يتذكر – يُطلَب منه أن ينسى.
فالمشاهد اليومي لا يُعطى الفرصة لربط السياقات، بل يُغرق في سيلٍ من "الآن، والعاجل، واللحظة"، فيُصبح أسير اللحظة ومنقطعًا عن التحليل.

ما الذي نفعله حين نستهلك الإعلام بلا مساءلة؟

نُعيد بناء وعي زائف، لأننا نقرأ الخبر كما كُتب لنا، لا كما كُتِب على الواقع.
نصدّق ما نراه دون أن نسأل:

  • من التقط الصورة؟
  • من كتب العنوان؟
  • من قرر ترتيب الأخبار؟

وهكذا نتحول من متلقين للخبر… إلى ضحايا للمعنى المختار سلفًا.

نحو وعي نقدي

قبل أن تسأل: "هل هذا الخبر صادق؟"، اسأل:

من الذي قرر أن هذا هو الخبر؟

هنا تبدأ أولى خطوات الوعي النقدي: تفكيك البنية لا الاكتفاء بتفنيد الرسالة.
فالإعلام ليس عدوًا في ذاته، لكنه ساحة صراع على المعنى، وإن لم نُحسن فهم أدواته، كنا نحن الخاسر الأكبر.

عودة إلى: القائمة الرئيسية

أحدث أقدم