/* لإخفاء احرف من عناوين الصفحات */

توازن الردع بعد الحرب: فشل إسرائيل وأمريكا في فرض الشروط على إيران

في ساحة لا ترحم، لا يكتب المنتصر البيانات... بل يفرض الشروط.
ومَن يطلب وقف الحرب، ليس الطرف الأقوى، بل الطرف الذي فَقَد زمام المبادرة.
هذا هو المبدأ الصلب في ميزان الصراعات الكبرى، وهو ما يكشف لنا حقيقة ما جرى في الحرب الإيرانية–الإسرائيلية الأخيرة، بعيدًا عن التجميل الإعلامي والضجيج الدعائي.

الحرب التي بدأت نارية... وانتهت مرتبكة

مع بداية الضربات الإسرائيلية على منشآت إيرانية، ومع انخراط الولايات المتحدة في ضربات مباشرة لمواقع نووية، بدا وكأن تحالفًا عسكريًا استراتيجيًا قرر إنهاء الملف النووي الإيراني على الأرض.
لكنّ الحرب التي وعدت بضربة قاضية، توقفت فجأة... بطلبٍ أميركي.
وهنا لا بد أن نتوقف: من يملك اليد العليا لا يطلب وقف القتال بعد أيام قليلة. هذا لا يحدث في عالم القوة، ولا في منطق الإمبراطوريات.

لماذا أوقفت أميركا الحرب؟

1. ردّ إيران لم يكن صامتًا
إيران اختارت الرد غير المباشر، لكنّه كان ذكيًا ومؤلمًا:

  • هجمات بالصواريخ والطائرات من ساحات متعددة: العراق، اليمن، سوريا، غزة، ولبنان.
  • هجمات سيبرانية عطلت مرافق في عمق الكيان الإسرائيلي.
  • كثافة صاروخية أربكت منظومات الدفاع رغم جاهزيتها.

لقد دخلت إسرائيل في حالة استنزاف نفسي وعسكري، رغم ضجيج "النجاح المبدئي".

2. الاحتمال الأسوأ كان يقترب
استمرار الحرب كان يعني إشعال الجبهات دفعة واحدة:

  • حزب الله في الشمال.
  • الحوثيون في باب المندب.
  • شلل في مضيق هرمز.
  • واشتباك إقليمي يُفجّر المنطقة.

والولايات المتحدة ليست مستعدة لحرب كبرى عشية انتخابات، ولا لتحمل تبعات اقتصادية تُضعف حضورها العالمي.

3. الضربات لم تحقق أهدافها الاستراتيجية

  • البرنامج النووي الإيراني لم يُدمر، بل تعطّل مؤقتًا.
  • لا مؤشرات على سقوط النظام أو تهديد مركز القيادة في طهران.
  • ولا تغيير حقيقي في بنية النفوذ الإيراني الممتدة في المنطقة.
أي أن الهدف السياسي للحرب – تغيير قواعد اللعبة – لم يتحقق، بل كُشفت هشاشة الإرادة الغربية عند أول ارتداد.

إسرائيل: انتصار في الشكل... خسارة في العمق

صحيح أن إسرائيل ضربت، وتقدّمت، لكنها خرجت من المعركة دون:

  • ردع طويل الأمد.
  • مكاسب استراتيجية في غزة أو لبنان.
  • أو تحييد فعلي للبرنامج النووي الإيراني.

بل زادت ضغوط الداخل، وتضخمت صورة الاعتماد على الغطاء الأميركي. وما أسوأ على كيان يدّعي السيادة من أن يُطلب إليه التوقف من الخارج، لا أن يعلن النصر بنفسه.

إيران: لم تنتصر... لكنها أفشلت الهجوم

لا ينبغي المبالغة في قراءة الحدث من زاوية النصر الإيراني، فطهران تضررت فعلاً. لكن الأهم:

  • أنها لم تُكسر.
  • وأنها أفشلت المشروع العسكري قبل أن يكتمل.
  • وأنّ ردها اللامركزي أظهر أن الحرب لم تكن فوق أراضيها فقط، بل في كل المنطقة.

وهذا ما أجبر واشنطن على إعادة الحسابات، وعلى التراجع التكتيكي، وإرسال رسائل تفاوض... بدل استمرار الضرب.

منطق الحرب لا يكذب

في كل حروب العقود الماضية، حين تكون أميركا أو إسرائيل في موقع التفوق الكامل، لا تتوقف الضربات إلا بعد "تدمير العدو".
لكن في هذه الحرب، العدو لم يُدمر، بل ازداد حذرًا وتموضعًا، وأعاد ترتيب أوراقه.

الحرب لم تتوقف لأن أهدافها تحققت، بل توقفت لأن تكلفتها بدأت تفوق مردودها.
ومن يوقف الحرب خشيةً من انفجارها، هو الطرف الذي تراجع أولًا.

الشرق الأوسط بعد الضربة: فراغ أكبر... ومشهد أكثر هشاشة

ما بعد هذه الحرب ليس عودة إلى ما قبلها، بل دخول في مرحلة ضباب استراتيجي.
فإيقاف الحرب بهذه الطريقة أطلق رسائل متضاربة:

  • إيران لم تُهزم، وهذا سيُشجّع خصوم واشنطن على المضي في مشاريعهم بشيء من الجرأة.
  • إسرائيل لم تنتصر، وهذا سيُضعف صورتها الردعية أمام الفصائل في غزة وحزب الله.
  • أما الولايات المتحدة، فبدا دورها كمن "يضبط اشتباكًا لا يملك نهايته"، مما يُضعف مركزها كلاعب ضامن في نظر حلفائها العرب.

دول الخليج باتت اليوم أمام خيارين باهتين:

  • الاستمرار في الاحتماء بالمظلة الأميركية رغم ثقوبها المتزايدة،
  • أو الانخراط في علاقات أمنية مع إسرائيل التي خرجت مجروحة ومتوترة.

أما البيئة الشعبية، فقد ازدادت اقتناعًا بأن ميزان القوة ليس حقيقيًا كما يُصوَّر، وأن "الهيبة" الغربية يمكن أن تتراجع حين تواجه حسابات الخسارة.

إننا أمام فراغ في القيادة الإقليمية، وفراغ في المشروع العربي، وفراغ في الثقة بالنظام الدولي ذاته.
ولذلك فالشرق الأوسط ما بعد هذه الضربة، ليس أكثر أمنًا، بل أكثر هشاشة وقابلية للانفجار عند أول أزمة قادمة.

إسرائيل بعد الحرب: قوة مكشوفة لا مهيمنة

رغم كل الضربات، خرجت إسرائيل بوجهٍ مختلف: قادرة على الضرب، لكنها عاجزة عن الحسم.
فالصورة الذهنية التي بنتها إسرائيل لعقود، باعتبارها "الجيش الذي لا يُهزم"، تعرضت لتصدع عميق.

1. تراجع الردع: فصائل غزة وحزب الله وحتى الأنظمة، باتوا يعلمون أن إسرائيل تملك السلاح، لكن لا تملك المساحة السياسية لحرب طويلة.
2. الحاجة إلى أميركا: لم تعد تصوغ قراراتها بحرية، بل تعتمد على "الإذن والغطاء".
3. ارتباك التطبيع: دول كانت تميل للتقارب بدأت تُراجع حساباتها بعد الضربة الفاشلة.
4. أزمة داخلية: لا نصر معلن، ولا أفق للحسم، وشعب يعيش تحت التهديد.

الخلاصة:
إسرائيل لم تخرج أضعف عسكريًا، بل أضعف معنويًا واستراتيجيًا. وهذا أخطر ما يمكن أن يُصيب كيانًا قام على فكرة التفوق الدائم.

أحدث أقدم