كيف يصنع الوعي الزائف: الإعلام لا ينسى - بل يُنسّيك - تدمير الذاكرة الجماعية

الإعلام لا ينسى… بل يُنسّيك

تدمير الذاكرة الجماعية

في عالم متسارع، يُقال لنا إن النسيان طبيعي، وإن الإعلام ليس سوى ناقل للحاضر.
لكن الحقيقة أن النسيان ليس عَرَضًا عشوائيًا… بل آلية مقصودة تُدار بعناية لتفريغ الوعي من جذوره.
الإعلام لا يعاني من قِصر الذاكرة، بل يُمارس فنّ تدمير الذاكرة الجماعية، كي تبدأ كل كارثة وكأنها الأولى، وكل مقاومة وكأنها غير مسبوقة.

لماذا تُنسى الجرائم؟

كل جريمة تُنسى تصبح قابلة للتكرار.
وكل مأساة تُنسى، تُعاد صياغتها بطريقة تبرئ المجرم وتُشكك في الضحية.
لهذا، يُعاد تدوير الروايات الرسمية، وتُدفن الجرائم السابقة في صمت إعلامي مقصود، حتى لا تتراكم في الوعي كأدلة على منهجية الظلم.

الزمن المفصول عن المعنى

في الإعلام المعاصر، الزمن يُفصل عن الذاكرة.
فلا سياق، ولا تراكم، ولا سرد تاريخي، بل فقط "الآن، والعاجل، وما يحدث هذه اللحظة".
وهكذا يُعاد تشكيل الوعي ليعيش في لحظة معزولة، تفتقد الجذور وتجهل الخلفيات، فلا تفهم الأحداث إلا كفوضى متفرقة بلا سبب.

أمثلة حاضرة

  • حين يُعرض قصف غزة دون التذكير بالحصار الممتد لسنوات، يُفهم المشهد كـ"رد فعل متبادل".
  • حين تُستدعى احتجاجات شعبية دون ذكر الثورات المجهضة التي سبقتها، تبدو وكأنها فوضى عابرة.
  • حين يُتحدث عن هجرة جماعية دون الإشارة إلى استعمار اقتصادي طويل، تُفهم الهجرة كـ"نزعة عاطفية أو عبء عالمي".

الإعلام يملك أرشيفًا… لكنه لا يستدعيه

المفارقة أن المؤسسات الإعلامية تملك أرشيفًا ضخمًا، لكنها لا تُحسن استدعاءه إلا لتخدم به سردية حالية.
الذاكرة لا تُستدعى للربط، بل للاستخدام الدعائي، مما يجعل التاريخ خاضعًا للحظة السياسية، لا للحقيقة.

تقطيع التاريخ: تقنية خبيثة

ما يحدث هو تقطيع الذاكرة إلى "ملفات منقطعة"، كل منها يُفهم بمعزل عن الآخر.
وهكذا يتم دفن التاريخ، ويُختصر الصراع في مشهد واحد، بينما يُخفى العمق الحقيقي خلف ستار الحدث الآني.

كيف نُقاوم النسيان؟

  • بالربط الدائم بين الحاضر والماضي.
  • برفض الرواية التي تبدأ من منتصف الحدث.
  • باستعادة الذاكرة الجماعية عبر التوثيق والتحليل والسرد الذاتي.
  • بتعليم القارئ كيف يُعيد بناء السياق المفقود، لا الاكتفاء بما يُعرض عليه.
  • تدمير الذاكرة ليس فقط غفلة… بل هو تواطؤ مع الظلم.

أحدث أقدم