فهم الخطاب الاعلامي - الاعلام والتضليل: كيف يصنع الوعي الزائف: المصطلحات كسلاح

المصطلحات كسلاح

كيف تُفرغ اللغة من معناها؟

اللغة ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي العدسة التي نرى بها العالم.
ومن يتحكم في اللغة، يتحكم في الإدراك، ومن يتحكم في الإدراك، يتحكم في الإنسان.
في الإعلام، تُستخدم المصطلحات لا بوصفها كلمات بريئة، بل كأسلحة رمزية تُعيد تشكيل الواقع وتوجيه الانفعالات.

عندما تصبح الكلمة قفصًا ذهنيًا

هل فكّرت يومًا في الفرق بين أن تقول:

  • "مقاتل مقاومة" و"إرهابي"؟
  • "اجتياح" و"عملية عسكرية محدودة"؟
  • "شهيد" و"قتيل"؟

كلها تصف نفس الحدث، لكن المصطلحات تُعيد تعريفه في ذهنك، بل قد تغيّر موقفك دون أن تشعر.

هندسة الإدراك عبر التسمية

في الإعلام، لا يُكتفى بسرد الوقائع، بل تُصاغ بلغة منتقاة تؤدي دورًا مزدوجًا:

  1. تحميل الحدث بدلالة أيديولوجية

  2. نزع الشّرعية أو منحها لشخص أو موقف أو فكرة

مثال واقعي:
حين يوصف اللاجئون بـ"الزحف البشري"، يتم تنشيط الخوف الجمعي، وكأنهم تهديد وجودي، لا ضحايا لحرب أو فقر.

تفريغ اللغة من المعنى

بعض المصطلحات تفقد معناها بمرور كثافة استخدامها.
مثال: "السلام"، "الديمقراطية"، "الإصلاح".
تُكرَّر حد الابتذال، وتُستخدم لتبرير أفعال تناقضها، حتى تتحول إلى أقنعة خطابية تبرّر الهيمنة.

هكذا، لا تُستخدم اللغة لتوصيل الحقيقة… بل لإخفائها تحت غلالة ناعمة من التزييف المشروع.

التلاعب العاطفي بالمصطلحات

الإعلام لا ينقل لك الكلمات فقط، بل ينقل الشحنة الشعورية المرتبطة بها.
حين يُستخدم "شهيد" في قناة، و"قتيل" في أخرى، فكل واحدة تستحضر منظومة قيم كاملة.
المصطلحات تُفعّل في وعي المتلقي مشاعر الانتماء أو الرفض، الغضب أو الشفقة، دون أن يمر بعقلانية التفكير.

من يكتب القاموس؟ ومن يُقرّر اللغة المقبولة؟

القواميس الإعلامية لا تُكتَب في اللغات فقط، بل تُصاغ في غرف التحرير، ومراكز البحوث، ومراكز الضغط.
ما يُعتبر "لغة موضوعية" هو، غالبًا، لغة السائد، لا لغة العادل.
وهنا تنقلب اللغة من وسيلة لفهم الواقع… إلى أداة لتدجينه.

خطوات التحرر اللغوي

  • لاحظ المصطلحات المكررة في خطاب الإعلام.
  • اسأل دائمًا: ما المصطلح البديل الممكن؟ ولماذا تم استبعاده؟
  • حاول أن تُعيد صياغة الخبر بلغة محايدة.
  • لا تبتلع الكلمة كما جاءت… افحصها كما تفحص سمًّا مغلفًا بالعسل.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.