
المحللون والضيوف
جنود في معركة الرواية
حين تشاهد نشرة إخبارية، فإن أول ما يظهر هو "الخبر".
لكن القيمة الحقيقية لا تُصنع في الخبر نفسه، بل في من يُعلّق عليه.
التحليل ليس ترفًا فكريًا في الإعلام… بل هو أداة للهيمنة على تفسير الحدث، وتوجيه استيعابه في ذهن الجمهور.
من الذي يُمنح الميكروفون؟
ليس كل من يملك رأيًا يُمنح منبرًا.
الإعلام لا يستضيف "أصواتًا حرة"، بل يختار ضيوفه بعناية، وفق معايير غير معلنة:
- مدى توافق الضيف مع الخط التحريري
- قابليته لتمرير الرسائل دون صدام مباشر
- مهارته في تلميع ما يجب تلميعه… وتشويه ما يُراد تشويهه
صناعة الخبير: وهم الاستقلالية
كثير من "المحللين" ليسوا مستقلين كما يُقدَّمون.
فبعضهم:
- موظف لدى مركز أبحاث ممول
- أو مستشار غير معلن لجهة رسمية
- أو مُدرَّب على الأداء الإعلامي أكثر من الفهم الحقيقي
يظهر "خبيرًا"، لكن وظيفته الحقيقية: تثبيت الرواية، لا مساءلتها.
الانحياز المُقنّع
الخطورة أن الانحياز لا يُعرض كوجهة نظر… بل يُقدَّم كتحليل "مهني"، مما يجعل الجمهور يستسلم له تحت وهم الحياد.
هكذا يتحول التحليل إلى سلاح تزييف ناعم، يُرَكَّب فيه الواقع من أجزاء مختارة بعناية.
تبادل الأدوار في رواية واحدة
في البرامج الحوارية، يتم خلق "جدال مصطنع" بين طرفين، لكن ضمن حدود مأمونة.
- لا يُستدعى من يكسر الإطار المفاهيمي نفسه
- بل فقط من يعارض داخل الرواية المسموح بها
الارتزاق التحليلي
كثير من المحللين يتحولون إلى "مرتزقة رأي":
ينتقلون بين القنوات والأنظمة، ويُعيدون إنتاج خطابات متناقضة بحسب الطلب.
لا يربطهم بالتحليل إلا الشكل، بينما الوظيفة الحقيقية: دعم السردية المطلوبة مقابل الظهور والمكانة.
كيف نحصّن وعينا؟
- لا تُخدع بلقب "خبير".
- افحص سجل الضيف: أين كتب؟ لمن عمل؟ ماذا صمت عنه؟
- اسأل دائمًا: ما الذي لا يقوله؟ ولماذا؟
- لا تكتفِ بما يُقال… بل لاحظ ما يُحذف من النقاش.
- التحليل الحقيقي لا يُسَكِّن الوعي، بل يُقلقه، ويهزّ مسلماته.