الأساطير المؤسسة: كيف تُبنى شرعية الأنظمة عبر التاريخ المُختلق؟

في كل نظام سياسي، توجد رواية تأسيسية تُروى للشعب لتبرير السلطة القائمة وإضفاء الشرعية على وجودها. هذه الروايات لا تكون دائمًا صادقة أو مكتملة، بل كثيرًا ما تُبنى على أساطير، انتقائية في عرض الأحداث، وتزييف للوقائع التاريخية، تُكرّس في الإعلام والتعليم لتصنع ذاكرة جماعية مصنوعة بعناية.

السرد الرسمي: رموز مقدسة وتاريخ نقي

تركز الأنظمة على إبراز لحظات معينة باعتبارها "اللحظة التأسيسية" المجيدة، وتُقدّم القادة المؤسسين كمنقذين تاريخيين. يُحاط هؤلاء بهالة من القداسة السياسية تُخفي أخطاءهم، وتُغيب الصراعات التي صاحبت نشوء النظام، كأن التاريخ يبدأ من لحظة التتويج ولا قبله شيء.

صناعة الأسطورة: أدوات محكمة

تُستخدم أدوات متعددة لبناء هذه الأساطير: الإعلام، المناهج الدراسية، النصب التذكارية، الأعياد الوطنية، والخطابات الرسمية. ويتم تجريم أو تهميش كل من يطرح سردًا مختلفًا، باعتباره تهديدًا للوحدة الوطنية أو النظام العام.

نتائج هذا التزييف

إنتاج سردية تاريخية أحادية يعمّق الانقسام، ويمنع المصالحة الحقيقية مع الماضي، كما يُضعف قدرة المجتمع على نقد ذاته أو المطالبة بالإصلاح، لأن الأصل الذي تُشتق منه الشرعية مشكوك فيه أو ملفق.

قراءة بديلة: تفكيك الأسطورة وتحرير التاريخ

تفكيك هذه الأساطير لا يعني الإساءة إلى رموز الأمة، بل يفتح الباب لفهم أكثر نضجًا وتعقيدًا للتاريخ، حيث تُفهم نشأة الأنظمة السياسية ضمن ظروفها، وتُعاد كتابة الذاكرة الجمعية بشكل أكثر شجاعة وعدالة.

خاتمة

الشرعية التي تُبنى على الأساطير لا تصمد أمام النقد، والمجتمعات الحرة هي التي تملك الشجاعة لتُعيد قراءة تاريخها بعيدًا عن القداسة السياسية والأسطرة الرسمية. فالحقيقة لا تهدد الاستقرار، بل تحصّنه.

سلسلة: إعادة قراءة التاريخ: ما لم تقله الكتب

أحدث أقدم