العنف المشروع والعنف المحظور: من يملك حق استخدام القوة في التاريخ؟

لطالما ارتبط مفهوم "العنف" في السرد التاريخي بسياقات متباينة؛ فبينما يُمنح لبعض الأطراف حق استخدام القوة باسم "الشرعية"، يُدان آخرون بنفس الفعل ويُوصمون بالإرهاب أو التمرد. هذه المفارقة لا تعكس واقعًا قانونيًا فقط، بل تفضح تسييس مفهوم العنف، وتحويله إلى أداة لشرعنة قمع الشعوب وتبرير التدخلات.

السرد الرسمي: احتكار الدولة للعنف المشروع

تروج الأنظمة السياسية لفكرة أن الدولة وحدها تملك حق استخدام القوة، وهو ما استند إليه الفلاسفة والمواثيق القانونية. لكن هذا الاحتكار كثيرًا ما يُستخدم لتصفية المعارضين، ولقمع الحركات الاجتماعية والسياسية، مع تجريم أي مقاومة شعبية تُطالب بالحرية أو العدالة.

العنف الاستعماري والشرعية المزوّرة

في التجارب الاستعمارية، استخدمت القوى الغربية عنفًا مفرطًا ضد شعوب مستعمَرة، ومع ذلك روجت لنفسها كـ"صانعة حضارة". بينما وُصفت مقاومة تلك الشعوب بأنها "إرهاب" أو "تخلف"، في مفارقة تُظهر ازدواجية المعايير في توصيف العنف.

تشويه مفاهيم المقاومة

تاريخيًا، خضعت حركات المقاومة لتشويه ممنهج، حيث حُرفت أهدافها، وشيطنت رموزها، وتم إخفاء دوافعها العادلة، في مقابل تمجيد أدوات القمع الرسمية و"القوة النظامية" التي تفرض الأمن بقوة السلاح.

قراءة بديلة: نقد احتكار القوة

إعادة النظر في منطق "العنف المشروع" يستوجب نقد المفاهيم التي تمنح الحق المطلق للدولة في استخدام القوة، ويقتضي الاعتراف بأن كثيرًا من الحركات التي وُصفت بالعنف إنما كانت تبحث عن التحرر، لا التخريب.

خاتمة

في كل مرة يُستخدم العنف باسم القانون أو الشرعية، يجب أن نتساءل: من يحدد هذا الحق؟ وما هي دوافعه؟ تفكيك هذا التناقض ضروري لفهم التاريخ الحقيقي للمقاومة والقمع، ولتحديد من يملك حق الدفاع عن الحرية والكرامة.

سلسلة: إعادة قراءة التاريخ: ما لم تقله الكتب

أحدث أقدم