تأثير الأيديولوجيات على الذاكرة الجماعية: من يقرر ما نتذكره؟

ليست الذاكرة الجماعية مجرد تراكُم تلقائي للأحداث، بل هي نتاج صراعات سياسية وأيديولوجية تحدد ما ينبغي أن يُتذكّر وما يجب أن يُنسى. إذ تلعب الأيديولوجيات دورًا جوهريًا في إعادة تشكيل الماضي وفق رؤيتها، فتحذف من التاريخ ما يتناقض مع سرديتها، وتُضخم ما يخدم مشروعها، فتغدو الذاكرة الجماعية مرآة مشوّهة للواقع.

الأيديولوجيا كعدسة تفسيرية للتاريخ

كل أيديولوجيا – قومية، دينية، اشتراكية، ليبرالية – تحمل تصوّرًا خاصًا للتاريخ: من هم الأبطال؟ من هم الأعداء؟ ما هي اللحظات الفارقة؟ يتم استدعاء بعض الأحداث وتجاهل أخرى لتثبيت سردية معينة تخدم الحاضر وتبرر السياسات.

من الذاكرة إلى التعبئة

حين تتبنى الدولة أيديولوجيا معينة، فإنها تُعيد صياغة المناهج، وإحياء رموز محددة، وتنظيم الاحتفالات الوطنية بما يعزز سرديتها. وتتحول الذاكرة إلى أداة تعبئة، تُستعمل لتكريس الشرعية أو إنتاج عدو دائم.

ضحايا التهميش الأيديولوجي

ضحايا هذه العملية هم الأحداث والرموز والأفكار التي لا تتوافق مع الخط الرسمي. فتُطوى ملفات مجازر، وتُنسى حركات مقاومة، ويُهمّش مثقفون، لمجرد أنهم لا ينسجمون مع الهوية المختارة للذاكرة الوطنية.

قراءة بديلة: الذاكرة كمجال للنقد

تحرير الذاكرة من قبضة الأيديولوجيا لا يعني محوها، بل استعادتها بتعدّدها وتعقيدها، والاعتراف بأن التاريخ لا يُروى من منظور واحد، بل هو مجال لصراع الروايات وتداخل المصالح.

خاتمة

حين تتحكم الأيديولوجيا في الذاكرة، يتحول الماضي إلى خدمة الحاضر، ويُغتال التعدد لحساب خطاب واحد. استعادة الذاكرة الجماعية الحقيقية ليست ترفًا ثقافيًا، بل خطوة نحو العدالة المعرفية والإنصاف التاريخي.

سلسلة: إعادة قراءة التاريخ: ما لم تقله الكتب

أحدث أقدم