التراث الثقافي والسياسي المغيب: ما الذي لم يُورّث لنا؟

لا يُقاس التراث فقط بما حفظته المتاحف أو سُجّل في الموسوعات، بل بما فُرض نسيانه أيضًا. هناك تراث فكري وسياسي وثقافي تم طمسه عمدًا لأنه لا يخدم الصورة التي تريد السلطة ترسيخها عن الأمة، فاختفت نصوص ومواقف، وأُهملت رموز وأفكار، رغم كونها جزءًا حيًّا من وجدان الشعوب وتاريخها.

من يقرر ما يُورّث؟

التراث ليس مجرد مادة موروثة، بل عملية اختيار. والاختيار هنا سياسي بامتياز: فالدولة، أو المؤسسة الحاكمة، تنتقي من الماضي ما ينسجم مع سرديتها، وتحذف ما يُربك خطابها أو يفضح تاريخها القمعي أو التبعي.

تغييب التراث المقاوم والتعددي

تم تغييب التراث التحرري الذي يحمل في طياته دعوات للثورة، والعدل، ورفض الهيمنة. كما تم تهميش التراث التعددي الذي يعكس تنوع المجتمعات، لحساب رواية أحادية تروّج لوحدة مصطنعة وهُوية رسمية مزيفة.

الطمس الثقافي والتأميم الرمزي

مارست بعض الأنظمة "تأميمًا" للرموز الثقافية، عبر اختزالها في شعارات دعائية أو استخدام نصوصها في خطاب رسمي مُفرغ من مضمونها الثوري. كما طمست أسماء ومواقف وكتابات لمفكرين، لمجرد أنهم لم يخضعوا للخط السلطوي.

قراءة بديلة: إعادة التنقيب عن المجهول

إحياء التراث المغيّب ليس استذكارًا لماضٍ منسي، بل استعادة لأدوات الوعي والمقاومة والمعنى. إنه مشروع لإعادة بناء هوية أكثر صدقًا، لا تُقصي، ولا تزيّف، ولا تختزل الأمة في صوت واحد.

خاتمة

في كل ما لم يُورّث لنا، هناك جزء مسروق من وعينا. وواجبنا اليوم أن نبحث، ونستعيد، ونسأل: لماذا اختفى هذا؟ ومن قرر أن يُنسى؟ لأن الشعوب التي لا تعرف تراثها الحقيقي، تُعاد صياغتها كل جيل من جديد.

سلسلة: إعادة قراءة التاريخ: ما لم تقله الكتب

أحدث أقدم