نيبال: دولة فقيرة... لم تُنهب بل تاهت

تبدو نيبال على خريطة العالم كخط جبلي صغير بين عملاقين: الهند والصين. ومع ذلك، فإن فقرها العميق لا يعود لموقعها الجغرافي فقط، بل لتراكم من العوامل البنيوية، والتاريخية، والسياسية، جعلها دولة بلا مشروع، ولا هدف، ولا رافعة سيادية حقيقية.

هي ليست "منجمًا مستنزَفًا"، ولا "جنة سياحية مباعة"، ولا حتى دولة ذات موارد منهوبة. إنها ببساطة دولة تاهت في الفراغ الجيوسياسي، والجمود الداخلي، والتخبط الاقتصادي.


فقر من نوع آخر

لا تملك نيبال ثروات طبيعية مغرية للاستعمار الجديد. لا نفط، ولا غاز، ولا شواطئ، ولا موانئ استراتيجية. كما أنها لا تشكّل عقدة إقليمية كبرى يمكن الاستثمار فيها كقاعدة عسكرية أو مركز خدمات مالي.

هذا ما جعلها، إلى حد ما، بمنأى عن الأطماع الخارجية المباشرة. لكن في المقابل، تركها العالم وحيدة، تترنّح في فقر مزمن، وضعف في البنية التحتية، وهشاشة في مؤسسات الدولة.


سياسة بلا اتجاه

عانت نيبال طويلاً من تقلبات سياسية وصراعات حزبية داخلية، ما بين الملكية والماركسية والديمقراطية البرلمانية. ومنذ إعلانها جمهورية في 2008، دخلت في مرحلة انتقالية بلا نهاية، تُعاد فيها كتابة الدستور، ثم يُخترق، ثم يُعاد تأويله.

هذه الاضطرابات لم تكن نتيجة مؤامرة خارجية، بل فشل داخلي في بناء عقد سياسي مستقر، يجعل الدولة قادرة على التحرك خارج منطق البقاء فقط.


لا سيادة منهوبة.. ولا سيادة مستثمَرة

بعكس دول أخرى في هذه السلسلة، لم تُجبر نيبال على الخصخصة الشاملة، ولم تدخل في تحالفات مشبوهة تُفقدها قرارها السيادي. لكنها أيضًا لم تستثمر في استقلالها. فاقتصادها يعتمد بشكل مفرط على التحويلات من العمال النيباليين في الخليج والهند.

الدولة لا تحكم، بل تدير بالكاد ما تبقّى من موارد محدودة. لا استغلال خارجي ممنهج، ولا إصلاح داخلي حقيقي. إنها الفجوة بين أن تكون مُستَغَلًّا، وأن تكون عاجزًا عن استغلال نفسك.


من النسيان إلى التهميش

وسائل الإعلام الدولية لا تذكر نيبال إلا في حالتين: كارثة زلازل، أو موسم تسلّق "إيفرست". أما الإنسان النيبالي، فهو غائب عن المشهد العالمي تمامًا. فلا أزمة لجوء، ولا مصلحة استراتيجية، ولا حتى "ديمقراطية ناشئة" تستحق أن تُروّج كبطاقة إعلامية.

وهذا هو نوع الفقر الأخطر: فقر اللامبالاة العالمية، حين تكون ضعيفًا لدرجة أن أحدًا لا يهتم بضعفك.


لهذا تُستثنى من نموذج التفقير المنهجي

نيبال لا تدخل في خانات الاستعمار الاقتصادي، ولا التفقير الناعم، ولا الخصخصة السيادية. إنها ببساطة دولة فقيرة، لكن فقرها لم يُصنع عمدًا من قِبَل الآخر، بل وُلِد من داخلها، ومن غياب التخطيط والرؤية، وسط عالم لا يمنح الدول الصغيرة فرصة ثانية.

ولذلك تُستثنى من نموذج "التفقير الخاضع"، لا لأنها قوية، بل لأنها هامشية جدًا في حسابات الكبار.

أحدث أقدم
🏠