
في صباح 5 يونيو 1967، اندلعت حرب لم تستمر أكثر من ستة أيام، لكنها تركت أثرًا يمتد لعقود. لم تكن مجرد هزيمة عسكرية، بل زلزالًا حضاريًا ونفسيًا أصاب الأمة في صميمها. في أقل من أسبوع، خسر العرب سيناء والضفة وغزة والجولان، لكن ما خُسر في الحقيقة كان أعمق: الإيمان بالذات، والثقة بالوعد، ومصداقية المشروع النهضوي العربي.
أولًا: الحدث – ما الذي جرى في حرب الأيام الستة؟
شنّت إسرائيل حربًا خاطفة ضد ثلاث دول عربية (مصر، سوريا، الأردن). في ساعاتها الأولى، دمّرت القوات الجوية المصرية بالكامل وهي لا تزال جاثمة على الأرض. وسرعان ما انهارت الجبهات، وتقدّمت إسرائيل لتسيطر على أراضٍ شاسعة:
-
سيناء بكاملها من مصر
-
الضفة الغربية من الأردن
-
هضبة الجولان من سوريا
-
قطاع غزة أيضًا خرج من السيطرة المصرية
وانتهت الحرب سريعًا، لكن ارتداداتها ظلت تتردّد في وعي الشعوب حتى اليوم.
ثانيًا: الأسباب – كيف خسر العرب الحرب قبل أن تبدأ؟
-
التضليل الإعلامي الرسمي: البيانات المزيّفة التي أعلنت النصر قبل أن تبدأ المعركة، عكست انفصال السلطة عن الواقع.
-
غياب الجاهزية العسكرية: تسليح ضعيف، قيادة غير منسّقة، وخطط لم تُفعّل أصلًا.
-
الثقة المفرطة بالشعارات: طغى الخطاب التعبوي على التخطيط الاستراتيجي، وأُهملت المؤشرات الحقيقية للتهديد.
-
استخفاف بالعدو: النظر إلى إسرائيل ككيان هشّ قائم على الدعم الأجنبي فقط، دون إدراك عُمق ترابطه بالمصالح الغربية.
-
انكشاف الأنظمة القومية: أظهرت الحرب هشاشة المشروع القومي الذي رفع شعار التحرير والوحدة، فتكشّف خواؤه عند أول امتحان.
ثالثًا: التداعيات – ماذا خسرنا في يونيو؟
-
كسر الكبرياء الجمعي: أحدثت النكسة شرخًا في نفسية الشعوب العربية، التي صُدمت بتلاشي الصورة البطولية التي رسّمتها الأنظمة.
-
تحوّل من الحلم إلى الغضب: بدأت الأسئلة العميقة تُطرح: من نحن؟ لماذا هُزمنا؟ من خدعنا؟
-
تغيّر في بنية المقاومة: برزت حركات فلسطينية مستقلة عن الأنظمة، مثل فتح والجبهة الشعبية، رافضةً استغلال الأنظمة للقضية.
-
صعود الخطاب الإسلامي: بعد انهيار الخطاب القومي، بدأ تيار الإسلام السياسي في ملء الفراغ الأيديولوجي، لا سيما بعد خفوت صوت عبد الناصر.
-
شرعنة الاحتلال: بعد الحرب، تموضعت إسرائيل على أراضٍ جديدة، وبدأت مرحلة جديدة من التفاوض تحت ضغط الواقع لا المبادئ.
رابعًا: النتائج – كيف غيّرت النكسة الخارطة؟
-
انهيار السردية القومية: لم يعد المواطن العربي يثق بالخطاب الرسمي، بل بدأ يبحث عن بدائل تفسّر الهزيمة وتعد بالكرامة.
-
تحوّل في أولويات الشعوب: من تحرير فلسطين إلى تحرير الذات من الاستبداد، ومن الشعارات إلى الحقوق.
-
ولادة الشك في كل شيء: شَكّ الناس في القادة، في الإعلام، في قدرتهم على النصر، حتى في ذاتهم. وكان ذلك بداية مرحلة نقد ذاتي مرير.
-
شرعنة مشاريع التفاوض لاحقًا: فتحت النكسة الباب لمشاريع التسوية، من كامب ديفيد إلى مدريد وأوسلو، بعد أن قنّنت الهزيمة سياسيًا.
-
أزمة ثقة مزمنة: لم تعد الشعوب تصدّق الوعود، وأصبحت ترى في الدولة أداة تسويف لا مشروعًا وطنيًا.
خامسًا: دلالة الحدث – لماذا كانت النكسة أخطر من مجرد حرب؟
لأنها فضحت الانفصام بين الخطاب والواقع. لم تكن الهزيمة في المدفع والدبابة فحسب، بل في العقل. لقد انهار "الحلم القومي" الذي رُوّج له على مدى عقود. سقطت الكاريزما السياسية تحت ركام الأكاذيب الإذاعية. وبدأ الوعي العربي يستيقظ على صوت مختلف: التحرر لا يُمنح من أعلى، بل يُنتزع من القاع.