الوهابية: الغنيمة قبل الفكرة.. حين تسبق المصلحة الرسالة

الوهابية والتحالف االديني السياسي: 
منذ اللحظة الأولى لنزول الوحي، كان الإسلام فكرة تحررية كبرى قبل أن يكون مشروع سلطة. كان يدعو لتحرير الإنسان من هيمنة الإنسان، قبل أن يؤسس لدولة. ولكن عبر التاريخ، وفي مفاصل كثيرة، تسللت الغنيمة إلى صدارة المشهد، فتقدّمت المصلحة على الرسالة، وابتُذلت الفكرة في سوق المنافع.

فهل أُفرغ الدين من مضمونه حين تحوّل إلى أداة سلطة؟ وكيف أثّرت هذه النزعة على مشروع التحرر الإسلامي نفسه؟


أولًا: متى تتقدّم الغنيمة على الفكرة؟

حين يتحوّل الدين من منظومة قيم إلى وسيلة للحصول على مال أو سلطة أو نفوذ، فإن الفكرة تصبح مجرد شعار، والغنيمة هي الهدف الحقيقي. يتضح ذلك حين يُدافع بعضهم عن نظام سياسي لأنه "إسلامي"، رغم ظلمه واستبداده، فقط لأنه يخدم مصالحهم.

وتتكرّر الظاهرة حين يصبح القتال باسم الدين لا لتحرير المستضعفين، بل للاستحواذ على أرض أو مورد أو سلطة، ثم يُبرَّر ذلك بآيات وشعارات.

ثانيًا: التاريخ شاهد

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، خاض المسلمون حروبًا كبيرة ضد المرتدين، وضد الإمبراطوريات المجاورة. وكان كثير من الصحابة يحملون الفكرة ويجاهدون من أجلها. لكن لم تمر سنوات طويلة حتى ظهر من يقاتل للغنيمة أكثر مما يقاتل للفكرة، وبرزت الصراعات بين الأمويين والعلويين، بين العباسيين والأمويين، ثم بين ملوك الطوائف، وكلٌّ يرفع راية الدين، ولكن الغنيمة هي المحرّك الخفي.

وحتى اليوم، تستدعى مفردات "الخلافة" و"الفتح" و"النصر" في خطابات جماعات سياسية أو مقاتلة، وهي تفتقد الحد الأدنى من العدل أو الرحمة أو الفكرة التوحيدية النقية.

ثالثًا: أثر هذه الازدواجية على وعي الناس

حين تُرفع راية الدين لتحقيق مكاسب دنيوية، يتشوّه الوعي الجمعي. ينشأ جيل يرى أن الإسلام مشروع سلطة، لا مشروع قيم. ويصبح الحديث عن العدل والتجرد والرحمة مثالية مرفوضة، أمام براجماتية "الواقع". ويبدأ الناس في النفور من الدين ذاته، لأنهم يظنونه هو السبب في الاستغلال، بينما الحقيقة أن الغنيمة تنكّرت في زي الرسالة.

وهنا تبرز خطورة التديّن المصلحي، الذي يُفسد الصورة ويُفرغ الجوهر من معناه.

رابعًا: كيف نعيد الفكرة إلى صدر المشهد؟

لابد من خطاب ديني يَزن المواقف بميزان القيم لا المصالح. نحتاج إلى بعث جديد للرسالة الأولى: أن الدين تحرير لا تبرير، وعدالة لا تغطية على الظلم، وتزكية لا مطامع.

وهذا يبدأ بفرز رموز الخطاب الديني: من يخدم الرسالة؟ ومن يتاجر بها؟ من يتكلم باسم الله؟ ومن يتكلم باسم مصالحه؟

خاتمة: بين الراية والراوي

لم تكن المصيبة يوم سُرق الدين، بل يوم رُفع على أكتاف من لا يؤمنون به، ليُستعمل سلاحًا لا نورًا. بين من يحمل الراية وبين من يروي قصتها فارق كبير، فليس كل من يصرخ "الله أكبر" على حق، وليس كل من يرفع شعار الإسلام ينتمي إلى فكرته. الفارق أن الأول يسعى للغنيمة، والثاني يسعى للفكرة.


أحدث أقدم
🏠