
لكن: لماذا يتبنى بعضنا هذا الخطاب الدفاعي؟ ومتى يصبح الاعتذار عن الدين شكلًا من أشكال الهزيمة النفسية؟
أولًا: من يضع إطار الاتهام؟
الخطاب الدفاعي يفترض ضمنًا أن الدين متهم، وأنه ينبغي علينا تبرير وجوده، أو تفسير أفعاله، أو نفي مسؤولية أتباعه عن جرائم فردية. لكن من قال إن الإسلام متهم أصلاً؟ ومن فوّض الإعلام الغربي بأن يكون القاضي؟ وهل نقبل أن يكون خصمنا هو من يضع تعريف العدل، ثم نلتمس منه البراءة؟
حين نلعب ضمن إطار الخصم، نكون قد هزمنا أنفسنا قبل أن نبدأ.
ثانيًا: الفرق بين بيان الحقيقة والاعتذار
ليس المقصود رفض كل خطاب يُظهر سماحة الدين، أو يدحض الشبهات. بل المقصود أن الفرق كبير بين من يشرح دينه بثقة، كمن يقدّم حقيقة، وبين من يبرّر دينه وكأنه مجرم. البيان الصادق ينطلق من أرضية ثابتة، أما الاعتذار النفسي فينطلق من شعور بالنقص، ومن رغبة في إرضاء الآخر حتى على حساب الذات.
وقد يتحوّل ذلك إلى تملق حضاري، يجعل المسلم يشعر أن عليه دومًا أن يثبت أنه "ليس كما يقال"، بدل أن يُبيّن بنفسه ما هو عليه.
ثالثًا: نتائج الخطاب الدفاعي
هذا النمط من الخطاب له آثار عميقة وخطيرة، منها:
- تعزيز الوصمة: لأن الاعتذار المتكرر يوحي ضمنًا بأن هناك فعلاً ما يستدعي الخجل أو التبرير.
- تحويل الدين إلى قضية علاقات عامة: بدل أن يكون مشروعًا تحرريًا أو منظومة قيم، يصبح منتجًا يحتاج إلى "تحسين صورة".
- تفريغ المسلم من ثقته الذاتية: فيبدأ يُعيد تعريف نفسه وفق ما يُريده الآخر، لا وفق ما يؤمن به.
بل الأخطر أن تنشأ أجيال لا ترى في الإسلام مشروعًا حضاريًا، بل عبئًا يجب التخفف من تبعاته إعلاميًا وثقافيًا.
رابعًا: استعادة الخطاب الواثق
لا يحتاج الإسلام إلى من يعتذر عنه، بل إلى من يعبّر عنه. الدين الذي حرر الإنسان من عبادة الطغيان لا يمكن أن يكون متهمًا. والخطاب الديني الذي يستحي من ثوابته، أو يعتذر عنها بلغة الآخر، هو خطاب منقطع عن الجذور، فاقد للثقة، قابل للتفكيك. أما الخطاب الصادق فهو الذي ينطلق من جوهر الإسلام كما هو، لا كما يريد الآخر أن يفهمه.
لا نحتاج إلى خطاب يطلب القبول، بل إلى خطاب يقدّم المعنى.
خاتمة: لا تخجل من النور
حين يعتذر صاحب النور عن ضوءه لأن العيون اعتادت الظلام، فالمشكلة ليست في النور، بل في الجفون المغلقة. لسنا مطالبين بأن نبرر وجودنا، ولا أن نشرح هويتنا وفق قوالب الآخر. بل نحن مطالبون بأن نكون كما نحن: حملة نور، لا وكلاء ترويج.