أنفاق غزة .. وأنفاق تحت بيت الأقصى

بين مقاومة تُحفر في الظلام، وخيانة تُحفر تحت الأرض 
في الجغرافيا، الأنفاق مجرد ممرات تحت الأرض.
لكن في السياسة والرمز، الأنفاق هي مرآة ما تحت الوعي، ما يُخفى عن العيون ويُراد له أن يبقى مدفونًا: إمّا أملًا يُخبّأ ليخرج في وقته، أو خنجرًا يُشحذ بعيدًا عن الأنظار. 
في غزة، الأنفاق حُفرت بملاعق الأسرى وبأظافر الجوعى، لم تكن ترفًا هندسيًا ولا مشروعًا اقتصاديًا، بل كانت صرخة من تحت الركام تقول: لسنا عاجزين.


وفي القدس، وتحديدًا تحت الأقصى، تُحفر أنفاق أخرى. ليست للمقاومة بل للحكاية، ليست للخروج بل للهدم. تُرسم بها حدود رواية جديدة يُراد فرضها فوق الأرض بعمل يُنجز تحتها.

غزة التي حفرت الحياة بالموت

في غزة، الأنفاق لم تكن مجرد ممرات لعبور السلاح، بل كانت اختراقًا للحصار، نفقًا في جدار الموت، وخطًا في معادلة كُتبت بالقهر.
الغزيّ الذي حُوصر فوق الأرض، قرر أن يفتح سماءه من تحتها. فصارت الأنفاق لغة جديدة، غير قابلة للترجمة في قواميس الجيوش الكلاسيكية.

صحيح أن الأنفاق حُفرت في الظلام، لكن ما خرج منها لم يكن مظلمًا: أسرى حُرروا، وكرامة أُعيدت، وعدوٌّ كان يظن نفسه فوق الأرض كلّها، صار يخشى ما هو تحت قدميه.

الأقصى الذي يُهاجم من باطنه

وعلى النقيض، في القدس، هناك أنفاق تُحفر تحت المسجد الأقصى، ليست للمواجهة بل للمحو.
إنها أنفاق العقيدة المزيفة التي تحاول أن تضع قصة التوراة حيث لا يوجد لها شاهد تاريخي. حفريات لم يجدوا فيها شيئًا، فقرروا أن يستمروا بالحفر حتى يصنعوا ما لم يجدوه.

وهنا المفارقة:
في غزة، يُحفر النفق ليخرج منه فدائي.
وفي القدس، يُحفر النفق ليُدفن فيه الأقصى، أو ليُخرجوا من تحته أسطورة لم توجد.

رمزية التحت: حين يُكشَف المخفي

الأنفاق كلاهما من "تحت". لكن "التحت" هنا ليس مجرد موضع جغرافي. إنه رمز للعالم الموازي: العالم الذي لا تراه العيون ولا ترويه الأخبار.
ففي غزة، "التحت" هو روح المقاومة التي لم تُخنق رغم أنف الجدران.
وفي القدس، "التحت" هو جريمة تُرتكب بصمت الحُكّام ورضا الساكتين.

التحت الأول يختزن الكرامة، والثاني يخبّئ الخيانة.

من الذي يحفر؟ ومن الذي يُغطي الحفر؟

سؤال بسيط قد يُعيد تشكيل الرؤية:
من الذي يحفر في غزة؟ شعب محاصر، ومقاومون يقاتلون بأجسادهم.
ومن الذي يحفر في القدس؟ سلطة احتلال مدعومة بعشرات الملايين، ومعها حكومات عربية تُهرول نحو التطبيع، وتُشارك في التغطية الإعلامية على الجريمة.

في غزة، يُقتل مَن يحفر.
وفي القدس، يُكافأ من يغضّ النظر عمّن يحفر.

حين تتلاقى الأنفاق، ينكشف السطح

القضية لم تعد تحت الأرض. بل ما تحت الأرض صار أكثر وضوحًا مما فوقها.
وما بين نفق مقاوم يُقهر الحصار، ونفق خيانة يهدّ أساس الأقصى، تظهر المفارقة:
من الذي يعيش في الظلام؟
أهل غزة الذين يُشعلون الشموع في الخنادق، أم من يحفرون لدفن نور الأقصى بينما يضيئون القصور؟

الخاتمة: تحت الأرض يُصنع التاريخ

التاريخ لا يُكتب فقط في المؤتمرات ولا في نشرات الأخبار، بل يُصاغ أيضًا في الأنفاق.
أنفاق غزة تكتب ملحمة الكرامة،
وأنفاق الأقصى تكشف خيانة الرواية،
وما بينهما يقف الوعي العربي أمام مرآة السؤال:
هل ما زلنا نعرف الفرق بين الحفر الذي يبني، والحفر الذي يهدم؟

أحدث أقدم
🏠