
ليست كل الدول دولًا، فبعضها ليس إلا مخيّمًا طارئًا تمّ تبليطه بالإعلام، وبعضها احتلالٌ مؤقّت يلبس ثياب الدولة...
وفي النموذج الأوضح، يقف كيانٌ يُقدّم نفسه كدولةٍ "ديمقراطية" وسط بحرٍ من "التهديدات"، بينما الحقيقة أن دولته مبنية على الخوف، مسقوفة بالصفارات، وجدرانها من إسمنت الملاجئ.
فالاحتلال حين يُعلن نفسه دولة، لا يبني أعمدته على قيمٍ راسخة أو على توازنٍ أخلاقي أو ثقافي. بل يُشيّد هيكله على إنذارٍ دائم، وصفاراتٍ تنبح كلما فُتح باب، وملاجئ يهرع إليها السكان كلما دوّى في السماء ظلّ.
إنه كيان لا يُدار بمنطق الاستقرار، بل بمنطق الإنذار.
هنا، الصفارة ليست مجرد أداة تنبيه، بل هي عقيدة سياسية. وسراديب الإسمنت ليست لحماية السكان من خطر خارجي، بل لتثبيت رواية داخلية مفادها: "نحن تحت التهديد... دائمًا."
الصفارات تُعلّم الشعب أن البقاء لا يتحقق إلا بالخوف، والملاجئ تزرع في أطفاله أن الحياة لا تعاش، بل تُختبأ.
هذه ليست دولة، بل سجنٌ مفتوح، فيه السجّان يخاف من صدى خطاه، والمراقب يرتجف من كاميراته.
وكلما أراد أن يُثبت للعالم أنه "دولة قوية"، بدأ بالصراخ. فالدولة الحقيقية لا تصرخ... الدولة الحقيقية لا ترتعد من طفل، ولا تعتقل الأغاني.
في هذا الكيان، تُصنَع الرواية السياسية من مواد الإنذار:
- الإعلام يُكرّس فكرة أن الوجود مرهون بالاستنفار.
- النظام التعليمي يُعلّم الأطفال أسماء الصواريخ قبل أسماء الزهور.
- الساسة يُقايضون الأمن بالخوف، ويشترون الولاء بالخطر.
الاحتلال حين يتحوّل إلى دولة، ينتج نظامًا داخليًا يعيد تدوير الهلع، ويُحوّل "الصفارة" إلى نشيد وطني، و"الملجأ" إلى أيقونة انتماء.
لكن الدول لا تُبنى على الصفارات، والمجتمعات لا تنمو في الملاجئ.
الاحتلال، مهما تجمّل، سيبقى احتلالًا.
والمستوطن، مهما ادّعى، سيبقى غريبًا، يرتجف من صدى الحق.