
في زمن الانتداب والخذلان، ظهر عز الدين القسام لا كمجرد شيخ واعظ، بل كرمز للمقاومة المسلحة ذات البعد العقائدي. حمل بندقيته باسم الدين والكرامة، متحديًا الاستعمار البريطاني والزحف الصهيوني في آنٍ واحد. لم يكن حديثه عن الجهاد حماسة عابرة، بل رؤية نابعة من فهم عميق لفقه التحرر ومركزية فلسطين في الوعي الإسلامي.
رفض أن يُحبس الدين في الزوايا، فأنزله إلى ميادين المواجهة. ومع استشهاده، ولدت روح لم تمت، بل تحوّلت إلى شرارة أشعلت مسارًا طويلًا من الكفاح.
لماذا حمل القسام السلاح مبكرًا؟
حين وطأت أقدام البريطانيين أرض فلسطين،
ورأى كيف تُباع القرى، وتُمنح الأرض للصهاينة بوعد بلفور،
فهم أن الأمر ليس "أزمة سياسية"، بل خيانة مُمَنهجة ستقود إلى ضياع أمة.
لم ينتظر قرار المؤتمر،
ولا نداء الجامعة العربية،
بل جمع تلامذته، وبدأ يُعدّهم لـ"جهاد طويل النفس"،
جهادٍ لا ينتظر النصر في حياته، بل يزرع البذرة لمن يأتي بعده.
شيخ... لكن بوعي استراتيجي
لم يكن القسام مجرد واعظ،
بل رجل تخطيط وتنظيم،
جسّ النبض الشعبي، وبنى مجموعات صغيرة مدرَّبة،
عمل بسرّية، وتجنّب التصادم المباشر حتى تكتمل الجاهزية،
لكنه حين رأى الأرض تُسلب علنًا، آثر المواجهة بشرف على الترقب بسلامٍ زائف.
القسام... حين تحوّلت الجنازة إلى بداية الثورة
قُتل عز الدين القسام في كمينٍ بجنين عام 1935،
ظنّ البريطانيون أنهم أطفأوا شرارة الفتنة،
لكنّ جنازته تحوّلت إلى أول انتفاضة حقيقية في فلسطين.
جثته المسجّاة كانت أعظم من كل الخطب،
فقد فجّرت ثورة 1936 التي أرهقت الإنجليز ثلاث سنوات.
فهم الناس بعدها أن هذا الرجل لم يمت، بل فتح الباب لمن لم يُولَد بعد.
من حيفا إلى غزة: فكرة لم تمُت
سنوات طويلة بعد استشهاده،
استُحضِر اسمه مجددًا،
وأسّست حركات المقاومة في غزة جناحها العسكري باسمه: كتائب عز الدين القسام.
لكن بين الشيخ الهادئ الذي حمل السلاح كضرورة أخلاقية،
وبين من اتخذوا اسمه لاحقًا كرمز،
يبقى السؤال:
هل نحمل الفكرة أم نستغل العنوان؟
القسام في الميزان: وعي أوّل لا دعوة للعنف
الذين يُحبّون تسطيح التاريخ، يصنفونه "أول إرهابي".
والذين يقدّسونه دون فهم، يجعلونه "أب الثورة العنيفة".
لكنّ الحقيقة أنه كان أول من فهم مبكرًا أن فلسطين تُسرق بخطة، ولن تُستعاد بالخطب.
وأن الانتظار بلا إعداد = تسليم،
وأن العمل بلا وعي = انتحار.
فاختار طريقًا صعبًا: أن يقاتل وهو يعلم أنه لن يحرّر، لكنه سيوقظ.