حسن البنّا: أراد أن يصنع الجيل القرآني الفريد… فأزعج كل العروش

في زمن التفكك بعد سقوط الخلافة وتسلّط الاحتلال، بزغ اسم حسن البنّا كمحاولة لإحياء المشروع الإسلامي من قلب المجتمع لا من هوامشه. أسّس جماعة الإخوان المسلمين لا لتكون حزبًا سياسيًا، بل حركة شاملة تستنهض الأمة بفكر جامع بين العقيدة والعمل. جمع في شخصه بين الداعية والمصلح والمنظّم، وسعى لبناء الفرد المسلم كأساس لنهضة شاملة. 

لم يكن صراعه مع الأنظمة فقط صراع نفوذ، بل صدامًا بين مشروع تحرر ومشاريع تبعية. ورغم اغتياله، بقيت أفكاره حيّة تتنازعها الاجتهادات والانقسامات.


حين سقطت الخلافة العثمانية، انهارت معها رمزية الإسلام السياسي ككيان جامع، وغرقت الشعوب في هويات ممزقة، وكانت النخب تغازل الغرب، وتتهم الدين بأنه سبب التخلف. 
وفي هذا المناخ المسموم، وأطلال أمة منهارة تحتضر.. خرج شاب من مدينة المحمودية، لا يملك مالًا ولا منصبًا، 
لكنه كان يملك وضوحًا فكريًا نادرًا: 

أن الإسلام دينٌ شامل، ينظّم حياة الفرد كما ينظّم حياة الأمة.


البنا لم يكن "واعظًا"… بل مشروعًا لإعادة البناء

أسّس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928،

لكن الجماعة لم تكن في بدايتها حزبًا سياسيًا،
بل مدرسة تربوية هدفها تخريج الإنسان المسلم الشامل: الذي يفكر، ويعمل، ويجاهد، ويبني.

كان يريد استعادة الإسلام من الحواشي،
ومن الصراع المفتعل بين "الروحية الجامدة" و"العلمانية المستوردة"،
فقال عبارته الشهيرة:
"نحن نعلم أن الإسلام نظام شامل، يتناول مظاهر الحياة جميعًا."


لماذا خافت الأنظمة من البنا؟

لأنه أعاد تعريف الإسلام كقوة ناهضة لا كعقيدة شخصية فقط.
وحين بدأ التنظيم يكبر، وامتد إلى العمال والطلبة والمهنيين،
أدركت الدولة أن هذا الرجل لا يبني خطبًا… بل يُعيد صياغة الوعي الجمعي.

ثم جاءت لحظة اختبار:
حرب فلسطين 1948،
فأرسل الإخوان متطوعين حاربوا ببسالة،
وشهد الجميع أن المشروع التربوي لم يكن حشوًا ذهنيًا، بل تخريج رجال قادرين على الفعل.


البنّا... الرجل الذي قتلوه ولم يجرؤوا على محاكمته

أُغتيل حسن البنّا في 1949،
رصاصات غادرة أطلقها عملاء الدولة العميقة،
لكنهم لم يجرؤوا أن يُحاكموه في العلن،
لأنهم يعلمون أن الفكر لا يُحاكم، وأن الرجل لم يُرهب إلا الظلم والفساد.

جسده سقط، لكن الجماعة استمرت،
وبعده بأقل من عقد، دخلت في صراع دموي مع النظام الناصري،
وبات اسمه مقرونًا بأوسع حركة إسلامية شعبية في العصر الحديث.


بين الدعوة والمحنة... ماذا بقي من البنا؟

هل بقيت الفكرة كما أرادها؟
أم تشوّهت بين من أرادوها أداة حكم، ومن اتخذوها مبررًا للقمع؟
لا شك أن كثيرًا من ملامح "مشروع البنا" ضاعت بين صراعات السياسة والأمن،
لكن من يُنقّب في كتاباته، يجد رجلًا نادرًا في وضوح الرؤية وشجاعة الطرح.


البنا في مواجهة التاريخ

لم يكن ملاكًا، ولم يدّعِ النبوة،
لكن خصومه أرادوا تحويله إلى شيطان… فقط لأنه أراد أن يُرجع للإسلام مكانته كدينٍ حي، قادر على قيادة الحياة لا الانسحاب منها.

وسواء وافقته أم اختلفت معه،
فأنت لا تستطيع أن تنكر أنه هزّ العقل العربي، وأجبره أن يعيد التفكير: من نحن؟ وماذا نريد؟


وصف الصورة المقترحة:

لوحة رمزية لحسن البنا واقفًا على منبر خشبي قديم، وخلفه جمهور من مختلف الطبقات (عامل، فلاح، طالب، شيخ)، وكلّهم ينظرون إليه بإصغاء، بينما فوقهم في السماء يظهر هلال يتّسع شيئًا فشيئًا، كرمز لصعود فكرة.

أحدث أقدم
🏠