رحمة الله الهندي: هزم القساوسة بالكلمة… وأربك مشروع التنصير البريطاني

في قلب الصراع العقدي بين الإسلام والمسيحية في الهند القرن التاسع عشر، برز رحمة الله الهندي كرمز للمواجهة الفكرية الهادئة والحاسمة. لم يحمل سيفًا، بل واجه التبشير الإنجليزي بالبراهين والمنطق، مدافعًا عن العقيدة الإسلامية بعقل راجح ولسان مبين. 
كانت مناظرته الشهيرة مع القس فندر حدثًا مفصليًا، أظهر فيه هشاشة دعاوى الخصوم وقوة الحجة الإسلامية. ألف كتابه "إظهار الحق" ليكون سلاحًا معرفيًا في وجه التزييف العقدي والاستعمار الثقافي. فهل نستحضر اليوم روحه المنهجية في زمن الغزو الناعم؟

هذا الرجل لا يُقاس بحجم شهرته، بل بأثره في الوعي الإسلامي في لحظة مواجهة مبكرة مع الاستعمار الديني والثقافي. هو النموذج الذي سبق الجميع إلى ميدان مقاومة التنصير فكريًا، في وقتٍ كانت فيه الجيوش البريطانية تحتل الأرض، وتُرسل خلفها القساوسة لاحتلال العقول. 

في منتصف القرن التاسع عشر، وبينما كانت الهند تغلي تحت الاحتلال البريطاني، لم يكن الإنجليز يكتفون بنهب الثروات وبسط النفوذ العسكري، بل جاءوا بمشروع أخطر: تنصير المسلمين وتفريغ الإسلام من داخله.

وحين أُقيمت المناظرات التبشيرية الكبرى في الهند، ظنّ القساوسة أن ساحة الفكر الإسلامي قد ماتت، فخرج لهم رجل من العمامة لا من البرلمان، لا يحمل سيفًا… بل يحمل كتابًا وعقلًا ولسانًا لا يَهاب.


مواجهة صريحة: العقل المسلم في اختبار علني

واجه القسيس البروتستانتي الشهير فندر، في مناظرة علنية عام 1854 بمدينة "أغرا"، كان الرهان كبيرًا: هل الإسلام يملك دفاعًا فكريًا عن نفسه في زمن الانكسار؟

وقف الشيخ رحمة الله بكل ثقة، يفنّد بالأدلة تحريف الأناجيل، ويُثبت تناقضاتها،
لا بالشتائم ولا بالتعصب، بل بمنهج علمي تفصيلي جعل الطرف الآخر ينسحب مهزومًا أمام الناس.


لماذا كانت تلك المناظرة حدثًا مفصليًا؟

لأنها هزّت أسطورة التفوق الحضاري والفكري للمستعمر،
ولأن المسلمين شعروا لأول مرة أن لهم صوتًا يستطيع أن يردّ الصاع بالفكر.
بل إن حكومة الاحتلال حاولت طمس آثار المناظرة، لكن الشيخ رحمة الله وثّقها في كتابه الشهير:
"إظهار الحق"… الذي أصبح لاحقًا مرجعًا لكل من ناظر المنصّرين في العالم.


رحمة الله الهندي… حين يصبح الدفاع عن العقيدة فعلًا مقاومًا

لم يُقاتل بالبندقية، لكنّه كان شوكة في حلق الاحتلال، حتى اضطر لمغادرة الهند إلى مكة، وأسّس هناك مدرسة فكرية دعوية لمواجهة المدّ التبشيري في العالم الإسلامي.

لقد فهم مبكرًا أن الاحتلال لا يكتفي بالسيطرة على الجغرافيا، بل يريد إعادة صياغة الإنسان نفسه.
فأوقف حياته لمواجهة هذا الغزو من الداخل.


من ميدان الفكر… إلى غفلة الذاكرة

رغم عظمة ما فعله، نُسي الشيخ، وغابت قصته عن مناهج التعليم، ربما لأنه لم يكن جزءًا من تحالف السلطة، أو لأنه واجه الغرب بالحجة، لا بالاسترضاء.

لكنه في وجدان كل مسلم فطن، هو الرمز الذي أعاد الثقة للعقل الإسلامي في أشد لحظات انكساره.


وصف الصورة المقترحة:
لوحة رمزية لرحمة الله الهندي جالسًا على منصة خشبية قديمة، وأمامه قسّيس بملابس تبشيرية، وجمهور من الهنود يستمعون بترقّب، بينما يظهر في الخلف علم بريطانيا مطويًا جزئيًا كرمز لانكسار الغزو الثقافي.

أحدث أقدم
🏠