مالك بن نبي: حاول أن يفكّك "قابلية الاستعمار" داخلنا… فخذله الجميع

في زمن ما بعد الاستعمار، حين كانت الأمة تتخبط بين التبعية والضياع، خرج مالك بن نبي ليطرح السؤال الجوهري: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ لم يكن مفكرًا تقليديًا، بل مهندسًا حضاريًا شخّص عطب الأمة من داخلها، رافضًا نظرية المؤامرة كتبرير دائم. تحدّث عن "القابلية للاستعمار" لا كاتهام، بل كمرآة نقدية لتحفيز النهضة. 
وبين تحليله للعمران والأفكار والمشكلات الحضارية، أسّس لمشروع فكري سابق لعصره، لا يزال يطالبنا بفهمه قبل الاحتفاء به.


لم يكن جنديًا ولا داعية ولا زعيمًا حزبيًا،
بل كان مفكرًا يبحث في الأعماق… هناك حيث تنكسر الحضارات قبل أن تُهزم في الميدان.
في زمن كانت النخب تمجد الاستعمار كضرورة حضارية،
قال مالك بن نبي بكل جرأة:
"المستعمِر لم ينتصر علينا فقط بقوته، بل بضعفنا الداخلي… لأننا كنّا قابلين للاستعمار."


ما هي "القابلية للاستعمار"؟ ولماذا كانت صادمة؟

ليست اتهامًا بالخيانة،
بل تشخيص لمرض حضاري أصاب المسلم المُنهك،
حين يفقد ثقته في نفسه، ويظن أن خلاصه في تقليد القوي،
فينتج مجتمعًا لا يبدع، بل يستهلك… لا يقاوم، بل يتأقلم.

مالك لم يكن يقف في وجه الغرب فقط،
بل في وجه العقل المسلم الكسول، الذي ظن أن الدين طقوس فردية فقط،
وترك الأرض والعلم والقوة للمستعمر،
ثم تساءل: لماذا سقطنا؟


الحضارة ليست رُكام ماديات… بل ثلاثية: إنسان + وقت + تراب

هذه هي "معادلة الحضارة" التي صاغها مالك بن نبي ببساطة عبقرية،
وقال إن أي مشروع نهضة يجب أن يبدأ من بناء الإنسان…
لكن لا ككائن بيولوجي، بل كـ"كائن واعٍ برسالته"،
متّصل بالسماء، لكنه مسؤول عن إعمار الأرض.

لذلك رفض أن تختزل الصحوة الإسلامية في السياسة أو الشعارات،
ونبّه أن الصراع الحقيقي هو على الفكرة… لا فقط على السلطة.


لماذا تم تجاهله؟ ولماذا خافوا منه؟

لأنه كان يفضح العجز البنيوي في خطاب الإسلام الرسمي والمعارض معًا.
هاجم التقليد الأعمى كما هاجم التغريب.
كتب بلغة النهوض، لا بلغة الاسترضاء،
وحذّر من أن النخب الإسلامية ستفشل إن لم تضع مشروعًا حضاريًا، لا مجرد حنين للخلافة أو تقنين للشريعة.

ولهذا، بقي على الهامش،
لأن صوته لم يكن يعجب لا المستشرقين، ولا الإسلاميين التقليديين،
فهو لا يُستعمل كأداة في خطاب جاهز،
بل يُربك الجميع بأسئلته الوجودية الجذرية.


مالك بن نبي… صوتٌ سبق زمنه

مات في صمت، ولم تحزن عليه العواصم كثيرًا،
لكن أفكاره بقيت تُقرأ في جامعات ماليزيا وتركيا والمغرب،
وأعاد شبان الوعي قراءته في زمن "الإسلام السلعي" و"الإسلام الاستهلاكي"،
لأنهم وجدوا فيه صوتًا صادقًا يسأل السؤال الأصعب:

هل نحن أمة على طريق الحضارة… أم أمة تحنّ إلى أمجاد لم تفهم أسبابها؟

كلمات مفتاحية:


وصف الصورة المقترحة:
لوحة رمزية لمالك بن نبي في مكتبه البسيط، يكتب بينما خلفه على الجدار خريطة للعالم الإسلامي مغطاة بسحب رمادية، وفي الأعلى يظهر ضوء صغير يخرج من كتاب مفتوح، كرمز لفكرة النهوض المنسية.

أحدث أقدم
🏠