رجال من زمن السقوط: محمد إقبال: أراد أن يُوقظ أمّة كاملة… فكتب شعرًا يهزّ الجبال

(1877–1938): شاعرٌ وفيلسوف، رسم ملامح الإنسان المسلم القادر على ارتياد آفاق الوجود دون خنوع.
في زمن التيه الحضاري، حيث فقدت الأمة بوصلتها، بزغ محمد إقبال شاعرًا وفيلسوفًا، يسكب الحكمة في قصيدة، ويوقظ الروح بفكرة. لم يكن شعره ترفًا أدبيًا، بل نداءً يقظًا لبعث الإنسان المسلم من سباته، وإعادة تشكيل وعيه بذاته وموقعه في العالم. تحدّث عن "أنا" الفرد لا لتعظيمها، بل لتحريرها من التبعية والانكسار. آمن بأن الإسلام طاقة حضارية قادرة على صنع التاريخ من جديد، فدعا إلى فكر حيّ يتجاوز الجمود والتقليد. ومن بين أبياته وكتبه، ولدت رؤى أسّست لاحقًا لقيام باكستان، لا كدولة فقط، بل كمشروع هوية ونهضة.


كان يمكن أن يكتفي بالشعر،

أن يكتب عن الحب والحنين والجمال، كما يفعل الشعراء،
لكن محمد إقبال لم يرَ في الشعر متعة لغوية…
بل أداة بعث حضاري.


من الهند المستعمرة… إلى أعماق الذات الإسلامية

وُلد في بلاد الهند تحت الاحتلال البريطاني،
ورأى كيف انكمشت نفس المسلم حتى ظنّ أن الخضوع قدر،
فصاح كأنما يوقظ الميّت:

"انهض! فأنت لست ما تراه في المرآة… بل ما خُلقت له."

 

الذات أولًا… لا السياسة ولا الشعارات

فهم إقبال أن السقوط لم يبدأ من ضياع السلطة،
بل من ضياع الذات.

لذلك طرح مفهومًا عجيبًا سمّاه: "خودي"
أي: الوعي بالذات، الإحساس الداخلي بالكرامة، الطاقة الكامنة في الروح.

قال إن المسلم لا يحتاج إلى ثورة مسلحة أولًا،
بل إلى ثورة داخل النفس تؤمن بأنها خُلقت للنهضة لا للاتباع.


فلسفة لا تُقرأ… بل تُشعل

محمد إقبال كان أشبه بـ"فيلسوف على هيئة شاعر"،
ينسج أبياته كأنها طعنات في قلب الجمود،
يقول فيها:

"لم أعد أطيق رؤية هذا المسلم الكسول…
جالسٌ على أرائك التاريخ،
يتغنى بماضٍ لم يكتبه هو… ولا يدري لماذا انتهى."

الغرب: نعجب بعقله… لا نسجد لحضارته

لم يكن إقبال ساذجًا يعادي الغرب كليًا،
فقد تعلّم في كامبردج، وأحبّ المنطق والفلسفة،
لكنه أدرك أن تقليد الغرب ليس نهضة، بل مسخ.
وقال:

"الغرب يملك الآلة… لكنّا نملك الروح.
وإن اجتمعت الروح مع العقل… قامت الحضارة."

لماذا بقي إقبال غريبًا في مناهجنا؟

لأنه مفكر لا يُستعمل أداة في معارك الأيديولوجيا،
فلا يصلح أن يكون ناطقًا باسم حزب،
ولا مجرد شاعر مناسبات.

إقبال كان مشروعًا نهضويًا يخيف كل سلطة تستثمر في ضعف الشعوب.
لذلك بقي صوته في الظل…
بينما ارتفعت أصوات النفاق والشعارات.


محمد إقبال… شاعر أمّة لم تستفق بعد

مات محمد إقبال قبل أن يرى "باكستان" التي ألهم قيامها،
لكن فكره بقي:

ينادي بكل لغات الوعي:
أنه لا نهضة بلا استعادة لروح الإنسان،
ولا كرامة لأمّة تتكئ على ماضيها وتنسى كيف تُبدع حاضرها.

سلسلة: رجال من زمن السقوط

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.