البشير الإبراهيمي: قاوم فرنسا… لا بالبندقية، بل بالكلمة التي تحرر العقل

في زمن التجهيل الممنهج والاستعمار الثقافي، نهض البشير الإبراهيمي حاملًا القلم سلاحًا، والكلمة حصنًا منيعًا في وجه المسخ والفرنسة. لم يكن مجرد عالم لغة أو خطيب جامع، بل قائد نهضة فكرية ضمن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أعاد من خلالها صياغة الوعي الوطني والديني للشعب الجزائري. آمن بأن تحرير الأوطان لا يكون إلا بتحرير العقول، فربّى أجيالًا على الفهم الصحيح للإسلام والاعتزاز بالهوية. حارب الجهل كما حارب الاستعمار، ورفض أن تُختزل المقاومة في البندقية وحدها. وبين فصاحته وجرأته، كُتب اسمه في ذاكرة الجزائر كأحد أبرز بناة يقظتها.

في زمنٍ كانت فيه بنادق الاحتلال الفرنسي تحاصر الجزائر،

لم يكن البشير الإبراهيمي يحمل سلاحًا… بل كان يكتب.
لكن ما كان يكتبه لم يكن مجرد كلمات،
بل قنابل فكرية تنفجر في وعي الجيل،
تهدم ما حاول الاستعمار بناءه من تغريب ومسخ وانفصال عن الذات.


الاحتلال لم يكن فقط جيوشًا… بل مشروعًا لمسخ الإنسان

فرنسا لم تكن تحتل الأرض فقط،
كانت تحتل اللغة، والتعليم، والهوية، وذاكرة الناس.
تمنع العربية، وتغلق المساجد، وتستبدل التاريخ الإسلامي بتاريخها.

لكن البشير الإبراهيمي فهم المعركة جيدًا:

"فرنسا لا تخشى سلاحنا… بل تخشى أن نعرف من نحن."
لذلك جعل معركته الأولى: أن يُعيد تعريف المسلم بنفسه.

 

جمعية العلماء المسلمين: المدرسة التي أيقظت أمة

مع رفيقه ابن باديس، أسس جمعية العلماء المسلمين سنة 1931.
لكنها لم تكن جمعية بالمفهوم الكلاسيكي،
بل كانت ثورة فكرية تحمل مشروعًا كاملًا لـ"إعادة بناء الإنسان المسلم".

فتحوا المدارس، كتبوا المقالات، أنشؤوا المجلات،
وكان شعارهم واضحًا:

"الإسلام دين وعقل… والعربية لساننا، والتاريخ ذاكرتنا،
والاحتلال دخيل… سنطرده بالوعي، قبل أن نطرده بالسلاح."

 

سلاحه: اللغة

كتب البشير بأسلوب نادر:
لغة عربية راقية، مشحونة بالعاطفة والعقل،
مزيج من البلاغة القرآنية والبيان الفلسفي.

كان يكتب كمن يخطب في قبرٍ ليوقظه:

"يا أبناء الجزائر، أنتم لستم فرنسيين…
أنتم أبناء أمة حرّرها محمد، لا نابليون!"

 

لماذا كان يخيف فرنسا؟

لأن فرنسا كانت قادرة على قمع المساجد،
لكنها عاجزة عن كتم مقالٍ يُطبع في صحيفة… ويُقرَأ في السرّ… ويوقظ طفلًا.

كانت تعلم أن كل سطر يكتبه الإبراهيمي،
هو بذرة ستثمر بعد عقود جنودًا في ثورة الجزائر،
لا يرضون إلا بالاستقلال الكامل… لا نصف الحرية.


البشير الإبراهيمي… منفى الجسد لا يُقصي الكلمة

نفته فرنسا إلى الجنوب الجزائري، ظنًّا منها أنها أخمدت صوته.
لكن صوته بقي أقوى من النفي… لأن الفكر لا يُنفى.

عاد بعد الاستقلال، ورفض المناصب،
لأنه لم يقاتل من أجل "الكرسي"، بل من أجل "الوعي".


حين يُحكم علينا بالنسيان…

لم تُكرمه المناهج كما يجب، ولم تُدرَّس مقالاته في مدارسنا،
لأن فكره لا يصلح للترويض،
بل يغرس في النفس روحًا حرّة لا تنام.

فهو ليس بطلًا في متحف التاريخ،
بل أحد الذين نذروا حياتهم ليجعلوا من الجزائر أمةً لا تُستعمر مرتين.


وصف الصورة المقترحة:
رسم رمزي للبشير الإبراهيمي جالسًا في صحراء الجزائر، يكتب بريشة طويلة على ورق، وخلفه جدار كتب عليه الاستعمار "الجزائر فرنسية"، لكنه يتشقق كلما كتب حرفًا.

أحدث أقدم
🏠