
كان يمكنه أن يفاوض.
كان بإمكانه أن يؤخّر المواجهة، أو ينسحب بذكاء.
لكن يوسف العظمة اختار أن يُهزم واقفًا على أن يُسجل التاريخ أن دمشق استقبلت المستعمر بلا مقاومة.
في تموز عام 1920، كانت فرنسا تمدّ يدها لتدخل سوريا وتكتب بداية الاحتلال الرسمي بعد وعد سايكس بيكو. كان الملك فيصل يتردد، يتراجع، يساوم. أما يوسف، وزير الدفاع السوري آنذاك، فرفض أن يكون شاهد زور على دخول العار.
قيل له إن الجيش غير جاهز.
قيل له إن القتال انتحار.
فقال كلمته المشهورة:
"لن أسمح أن يدخل المستعمر دمشق دون مقاومة، ولو كان الثمن دمي."
خرج بجيش لا يُسمى جيشًا، سلاحه قليل، وعتاده محدود، وجنوده خليط من المتطوعين.
لكنه ذهب إلى معركة مَيسَلون كما يذهب المؤمن إلى الصلاة: ليس بحثًا عن النصر، بل كي لا تُغلق أبواب الشرف إلى الأبد.
في ميسلون، سقط العظمة شهيدًا، وسقطت معه فكرة الهزيمة المجانية.
دخل الفرنسيون دمشق بعدها، لكنهم لم يدخلوها كفاتحين، بل كغزاة يعلمون أنهم هزموا رجلاً… لا جيشًا.
لم يكن يوسف العظمة رجلاً عادياً. كان حارس الكرامة الأخير، رجلًا استثنائيًا اختار أن يخسر معركة ليكسر المعادلة.
هو الذي جعل من ميسلون هزيمةً بطولية، لا نكسة.
لقد علّمنا أن السقوط لا يبدأ حين تُكسر البندقية، بل حين تُرمى قبل الاستعمال.
وصف الصورة المقترحة:
رجل بزي عسكري عثماني أنيق واقف وحده على تلة تطل على وادٍ يقترب منه جيش فرنسي كثيف. السماء ملبدة، وراية سورية قديمة ترفرف خلفه، بينما نظراته ثابتة نحو الأفق، وفي يده سيف مرفوع، كأنما يتحدّى زحف الزمن.