
المجموعة الثالثة: التفوق الثقافي والمعرفي، والهيمنة الناعمة (السيطرة الرمزية والعلمية والثقافية)
المقال (3): العِلم المحايد: هل تدخل الأيديولوجيا إلى المختبر؟
المقدمة
يُروَّج للعلم باعتباره نقيض الأيديولوجيا، أداة عقلانية صافية، لا تحابي مذهبًا ولا تُخضع نتائجها للهوى أو السياسة. لكن هذه الصورة الوردية تخفي كثيرًا من التواطؤ بين ما يُسمّى بالعلم وما تفرضه السلطة — سواء كانت سلطة الدولة، أو السوق، أو المؤسسات الفكرية المهيمنة.
المسلمة المزعومة: ما الفكرة التي جرى تعميمها وتثبيتها؟
المسلمة هي أن "العلم محايد". أي أن الحقائق العلمية لا يمكن أن تتأثر بالثقافة أو المصالح أو الرؤى المسبقة، وأن المختبر هو أرض محايدة تُنتج فيها الحقيقة كما تُستخرج المعادن من باطن الأرض.
الهدف منها: من المستفيد من هذه الصورة المختزلة؟
السلطات السياسية التي تشرعن قراراتها بالاستناد إلى "رأي العلم"، والشركات التي تسوّق منتجاتها بوصفها "مبنية على دراسات"، والمؤسسات الأكاديمية الغربية التي تحتكر تعريف العلم ومجالاته، كلهم يستفيدون من هذه الهالة الزائفة للعلم المحايد.
الأساليب المستخدمة: كيف تم تثبيت الفكرة في الوعي العام؟
من خلال الخطاب الإعلامي والعلمي الذي يُكرر عبارة "الدراسات تثبت" دون كشف السياق أو من يمولها. ومن خلال تصوير العلماء كأفراد منزّهين عن المصالح، بل وحتى في السينما والدراما حيث يظهر العالِم كتجسيد للحقيقة والموضوعية، بينما يُصوَّر المشككون على أنهم جهلة أو نظريون.
النتائج: ما الذي أدى إليه هذا التضليل على أرض الواقع؟
تم تسخير العلم لخدمة رأس المال والسلاح أكثر من خدمة الإنسان. وتم إقصاء نظريات بديلة لأنها "غير علمية" وفق تعريف ضيق للعلم. كما تم تمرير كثير من السياسات الصحية والبيئية والاقتصادية تحت ستار "التوصية العلمية" دون مساءلة عن خلفياتها وتمويلها وتحيّزاتها.
الخاتمة: دعوة لتحرير العقل من القوالب الجاهزة وإعادة النظر
العلم ليس نقيضًا للهوى دومًا، بل قد يكون أداة في يد الأقوى. الاعتراف بذلك لا يقلل من قيمة المنهج العلمي، بل ينقذه من التحول إلى أداة تزييف جديدة. ما نحتاجه هو علم نقدي، يعترف بتحيّزاته، ويخضع نفسه للمساءلة كما يُخضع الظواهر للفحص.
كلمات مفتاحية: حيادية العلم، الأيديولوجيا العلمية، تمويل البحث، تسليع المعرفة، السلطة العلمية، نقد العلموية
وصف الصورة المقترحة:
عالِم يقف داخل مختبر زجاجي، خلفه شعارات شركات عملاقة وأعلام دول كبرى، وتظهر على مكتبه أوراق تحمل ختم "ممولة" و"مرفوضة". تتداخل أنابيب الاختبار مع أوراق مالية وبيانات إحصائية، في مشهد يوحي بأن الحقيقة تصاغ داخل سوق لا داخل عقل محايد.