الوعي المُعلّب: حين تتحول الأفكار إلى سلع

سلسلة: التضليل الإعلامي والمسلمات الكاذبة
المجموعة الثالثة: التفوق الثقافي والمعرفي، والهيمنة الناعمة (السيطرة الرمزية والعلمية والثقافية)
المقال (5): الوعي المُعلّب: حين تتحول الأفكار إلى سلع

المقدمة
لم تعد السيطرة على العقول تتم بالمنع والقمع فقط، بل أصبحت تُمارس عبر الإغراق والتكرار والسطحية. في زمن "الوعي المعلّب"، لم تعد الأفكار تُناقش، بل تُستهلك كما تُستهلك المشروبات الغازية: مصمّمة مسبقًا، مغلّفة بإحكام، وجاهزة للابتلاع السريع دون جهد أو مساءلة.

المسلمة المزعومة: ما الفكرة التي جرى تعميمها وتثبيتها؟
أن كثرة المعلومات تعني تعددية في الآراء، وأن الانفتاح الإعلامي ووسائل التواصل جعلت البشر أكثر وعيًا من أي وقت مضى. وأن زمن التلقين قد ولّى.

الهدف منها: من المستفيد من هذه الصورة المختزلة؟
تستفيد أنظمة الهيمنة الثقافية والاقتصادية من هذا الشكل الجديد من الوعي، لأنه لا يُنتج نقدًا حقيقيًا، بل يُبقي الجماهير في حالة تشتت استهلاكي دائم، تتبع الشعارات الرائجة دون أن تطرح أسئلة حقيقية. كما تستفيد الشركات الكبرى التي تُسوّق للأفكار كما تُسوّق للمنتجات.

الأساليب المستخدمة: كيف تم تثبيت الفكرة في الوعي العام؟
عبر تحويل القضايا الكبرى إلى وسم (#) أو فيديو قصير أو صورة صادمة، دون سياق أو تحليل. تُختصر المآسي في لقطات، وتُختزل المفاهيم في شعارات، وتُعاد برمجة المفاهيم لتتلاءم مع السوق الإعلامي، لا مع الحقيقة. فصار التفاعل العاطفي بديلاً عن الفهم، والمشاركة السريعة بديلاً عن التفكير.

النتائج: ما الذي أدى إليه هذا التضليل على أرض الواقع؟
ظهور جيل يعرف عن كل شيء شيئًا، دون أن يفهم شيئًا بعمق. تضخمت "الآراء"، وتلاشت المعرفة. ساد وهم الحرية الفكرية، فيما الحقيقة غُيبت خلف مؤثرات بصرية وإعلانات أيديولوجية متنكرة كـ"وعي نقدي". وتحول الخطاب إلى صدى لما تقوله منصات التمويل والإعلانات.

الخاتمة: دعوة لتحرير العقل من القوالب الجاهزة وإعادة النظر
علينا أن نعيد تعريف الوعي، لا كمجرد تفاعل لحظي أو تكرار لشعارات جذابة، بل كعملية بحث وتأمل وتحليل. إن الخروج من قفص "الوعي المعلّب" يبدأ من مساءلة ما نستهلكه، لا فقط ما نرفضه. فالتغليف الجميل لا يعني أن ما بداخله ليس مسمومًا.

كلمات مفتاحية: الوعي المعلّب، تسليع المعرفة، الإعلام الجديد، التضليل الرمزي، الاستهلاك الثقافي، صناعة الرأي العام

وصف الصورة المقترحة:
علب معدنية مرتبة على رف كأنها منتجات سوبرماركت، لكن بدل أسماء الأطعمة، تُحمل العلب تسميات مثل: "حرية"، "وعي"، "رأي نقدي"، "ثورة"، "تنوير". وكل علبة لها شعار جذاب بلون ساطع، فيما يقف شاب ينظر إليها مشوشًا، بين الحيرة والانبهار، في متجر يبدو حديثًا وساحرًا، لكنه بلا نوافذ.

أحدث أقدم
🏠