
البداية: شركة تتحول إلى دولة
- في عام 1602، أنشأت هولندا "شركة الهند الشرقية الهولندية" (VOC)، وهي شركة تجارية مسلّحة بسلطات شبه سيادية.
- كان هدفها الأساس هو احتكار تجارة التوابل، خصوصًا من جزر الملوك (مالوكو).
- بدأت الشركة في السيطرة على الموانئ والمدن عبر التحالف مع بعض السلطنات ومحاربة الأخرى، مستخدمة التفوق العسكري والاحتيال الدبلوماسي.
- في عام 1619، احتلت جاكرتا وأعادت تسميتها باتافيا، واتخذتها مركزًا لإدارة المصالح الهولندية.
لكن ما بدأ كعمل تجاري توسّع تدريجيًا، وتحوّل إلى استعمار إداري مباشر بعد إفلاس الشركة في نهاية القرن 18.
من الشركة إلى الدولة: السيطرة الاستعمارية الرسمية
- في عام 1799، أُلغيت شركة VOC، وأصبحت ممتلكاتها تحت سلطة الدولة الهولندية.
- استمرت السيطرة عبر الحكام العامين الهولنديين، وبدأت سياسة أكثر تنظيمًا، خاصة في جزيرة جاوة التي كانت قلب السلطة والسيطرة.
أهم مراحل توسع الاستعمار:
-
حروب جاوة (1825–1830):
قاد الأمير ديبونيجورو ثورة كبرى ضد الحكم الهولندي، سميت "حرب جاوة"، استمرت خمس سنوات، وقتل فيها مئات الآلاف، وانتهت بهزيمته ونفيه. -
حرب آتشيه (1873–1914):
حاولت هولندا إخضاع سلطنة آتشيه القوية في شمال سومطرة. كانت أطول حرب استعمارية خاضها الهولنديون، وواجهوا فيها مقاومة شرسة. -
احتلال جزر سولاويزي، بالي، وبورنيو:
تم إخضاع هذه المناطق تدريجيًا خلال القرن 19 وأوائل القرن 20.
بحلول أوائل القرن العشرين، أصبحت هولندا تُسيطر فعليًا على كامل أرخبيل إندونيسيا، من سابانغ إلى مِرَوكه.
الحياة تحت الاحتلال: قهر وهيمنة طبقية
اعتمد الهولنديون على نظام طبقي صارم:
- الهولنديون والأوروبيون في الأعلى.
- الصينيون كوسطاء تجاريين.
- الإندونيسيون الأصليون في القاع.
- فُرضت ضرائب مجحفة، وأُجبر الفلاحون على زراعة المحاصيل النقدية للتصدير (مثل السكر والبن) بدلًا من الغذاء.
- شُيِّدت البنية التحتية (طرق، سكك حديد) لخدمة الاقتصاد الهولندي، لا السكان.
- مُنِع الإندونيسيون من التعليم العالي أو المناصب الإدارية المهمة.
رغم كل ذلك، كانت هناك مقاومة فكرية وبدنية تنمو تحت الرماد.
المقاومة الإندونيسية: من السيف إلى القلم
أشكال المقاومة:
1. مقاومات تقليدية مسلّحة:مثل ثورة ديبونيجورو، ومقاومة آتشيه، وثورات شعبية متفرقة ضد الضرائب والسخرة.
- تأسست "حركة بوجامي أوتامو" لتشجيع الوعي القومي.
- ظهرت شخصيات بارزة مثل أحمد دحلان، سوكارنو، ومحمد حطة.
- "الحزب القومي الإندونيسي" بقيادة سوكارنو طالب بالاستقلال الكامل.
- الإسلام السياسي أيضًا كان حاضرًا عبر تنظيم "المحمدية" و"نهضة العلماء".
الاحتلال الياباني: المفارقة المساعدة
- خلال الحرب العالمية الثانية، احتل اليابانيون إندونيسيا (1942–1945) بعد هزيمة هولندا.
- رغم وحشية الاحتلال الياباني، فقد ساعد في تدمير البنية الاستعمارية الهولندية.
- درّب اليابانيون قادة محليين، ومنحوهم هامشًا للتنظيم والقتال.
الاستقلال: الانفجار المؤجل
- في 17 أغسطس 1945، أعلن سوكارنو ومحمد حطة استقلال إندونيسيا بعد استسلام اليابان.
- هولندا رفضت الاعتراف، وحاولت العودة عسكريًا.
- اندلعت حرب استقلال دموية (1945–1949) راح ضحيتها آلاف الإندونيسيين.
- تحت ضغط المجتمع الدولي، خصوصًا الولايات المتحدة والأمم المتحدة، أُجبرت هولندا على الاعتراف باستقلال إندونيسيا في ديسمبر 1949.
تحليل الحدث: لماذا فشل الاستعمار رغم طول مدته؟
-
فشل الدمج الثقافي والسياسي:
حافظ الإندونيسيون على لغتهم وهويتهم الإسلامية والمحلية، رغم محاولات التغريب. -
الاستغلال الاقتصادي الوحشي:
جعل من الهولنديين محتلين لا شركاء، وأشعل الغضب الطبقي والاجتماعي. -
غياب قاعدة شعبية محلية:
لم يستطع الهولنديون تجنيد قاعدة حكم محلية واسعة، واعتمدوا على القوة فقط. -
صعود الوعي القومي:
تأثر الإندونيسيون بحركات التحرر في العالم، وظهرت نخبة مثقفة قادت الثورة الحديثة. -
الاحتلال الياباني "كسر الطوق":
ساعد الاحتلال الياباني – دون قصد – في زعزعة الأساس الذي ارتكز عليه الاستعمار الأوروبي.
خاتمة
الاحتلال الهولندي لإندونيسيا لم يكن مجرد "إدارة أجنبية"، بل تجربة استعمارية طويلة المدى استهدفت الأرض والثقافة والاقتصاد. لكن إرادة التحرر بقيت حيّة في كل مراحلها، إلى أن نضجت في لحظة فاصلة، انفجرت معها الجمهورية الإندونيسية الحديثة من رماد الإمبراطورية الاستعمارية.
وصف الصورة:
صورة واقعية من حقبة الاحتلال الهولندي تظهر جنودًا هولنديين في أحد شوارع جاكرتا (باتافيا سابقًا)، مع مشهد جانبي لحياة مدنية فقيرة لسكان إندونيسيين، في تعبير صريح عن التفاوت الاستعماري.