فلسطين: استشهاد قائد.. يولد ألفٌ من القادة

في فلسطين، لا تنتهي الحكاية باستشهاد القائد، بل تبدأ من حيث سقط.

في دولٍ كثيرة، يُشكّل غياب القائد فراغًا، وفي حركاتٍ أخرى، يُولّد موتُ القائد انقسامًا.
أما في فلسطين، فإن استشهاد القائد لا يُطفئ شعلةً، بل يُشعل ألف شعلة.

ليس هذا تكرارًا لفظيًا، ولا شِعرًا ميدانيًا، بل سُنّة المقاومة الفلسطينية منذ أن بدأ الاحتلال يحصد القادة ظنًا منه أن الرأس إذا سقط، انطفأ الجسد.

الشهادة في الوعي الفلسطيني: فعل تأسيسي لا ختامي

في منطق القوة المادية، اغتيال القائد هو ضربة قاصمة، ولكن في الوجدان الفلسطيني، الشهادة هي الترقية الأعلى في سُلّم النضال.
ولذا، فإن العدو حين يضرب، يظن أنه يُنهي عقلًا مدبّرًا أو زخمًا ميدانيًا، لكنه لا يدرك أنه يزرع رمزًا جديدًا يُستلهم، لا يُدفن.

الشهداء لا يُستَبدلون… بل يُتناسخون.
ليس لأنهم يُعَوَّضون بشبيه، بل لأنهم يُلهمون جيلًا جديدًا يُغيّر المعادلة من “من سيقود؟” إلى “كلنا مسؤولون أن نقود”.

التجربة أثبتت: القادة لا يُورَّثون.. بل يُولَدون من رحم الحاجة

في كل مرة اغتالت فيها إسرائيل قائدًا ميدانيًا أو مفكرًا أو مُلهِمًا، كانت تراهن على أن الزمن سيتآكل من بعده.
لكن الذي حدث هو العكس:

  • بعد استشهاد قادة الانتفاضة الأولى، وُلد جيل الانتفاضة الثانية.
  • بعد اغتيال ياسين والرنتيسي والسنوار (الأخ الأكبر)، ظهر الجيل العقائدي المنظّم.
  • وبعد كل تصعيد، يُفاجَأ العدو أن الشارع لم يَضعُف، بل تحوّل إلى خلية حيّة لا تنتظر تعليمات.

هذه ليست قيادة بالتكليف، بل قيادة بالإيمان.

القائد في فلسطين ليس منصبًا.. بل لحظة

ما يميّز تجربة المقاومة في فلسطين أن القيادة فيها ليست هرمًا جامدًا، بل حالة متحركة. القائد ليس مَن يجلس على كرسي، بل من يُثبت أنه مستعد أن يُخلّي مكانه جسدًا، ليشغله رمزًا.

ولذلك، فإن كل قائد شهيد، هو في الحقيقة مُضاعف طاقي للفكرة.
يموت جسده، لكن فكره ينتشر دون إذن، ويصبح اسمه على الجدران، وعلى سُتر الشباب، وفي دعاء الأمهات، وفي حلم الطفل القادم.

الاحتلال يفهم السلاح.. لكنه لا يفهم الروح

ما يُخيف الاحتلال ليس أن لدى الفلسطينيين صواريخ، بل أن لديهم روحًا لا تموت بالضربة.
أنهم لا يُغسَلون بالحسرة، بل يُشحَنون بالفقد.
أن موت القائد لديهم يُفجّر الخيال الجمعي بدل أن يُطفئه.

ولهذا، فإن كل عملية اغتيال ليست إعلان نصر، بل إعلان بداية فصل جديد من المواجهة.


في الختام:

في فلسطين، لا يُصنَع القادة في المعسكرات فقط، بل في البيوت، وفي المقابر، وفي لحظات الذهول بعد الوداع.
كل أمّ شهيد تُخرّج قائدًا آخر من دموعها.
كل بيت يُقصف، يَخلق فكرةً تُقصف بها رواية العدو.
وكل قائد يُستشهَد، لا يُغلَق ملفّه.. بل يُفتَح ألف ملفّ جديد في قلوب من كانوا يظنّون أنهم مجرّد تابعين.

في فلسطين، الاستشهاد لا يُنهي القيادة.. بل يُوزّعها.

سلسلة: الاحتلال حين يهتزّ: مقالات في تفكك المشروع الصهيوني

أحدث أقدم