دين الوظيفة السياسية: القاديانية: دين صاغته الإمبراطورية لتفكيك الجهاد

لم تظهر القاديانية كنتيجة لنزعة روحانية أو حاجة عقدية، بل نشأت في لحظة استعمارية حرجة كانت فيها الإمبراطورية البريطانية تخوض معركة كبرى ضد الإسلام المقاوم في الهند. ففي نهاية القرن التاسع عشر، برز غلام أحمد القادياني مدّعيًا النبوة، لا ليهدي الناس إلى طريق جديد، بل ليعطّل طريقًا قديمًا: طريق الجهاد، والممانعة، والتحرر من الاحتلال. لقد أدّى الدين الذي أسّسه وظيفة دقيقة: تفكيك الإسلام السياسي المقاوم، وخلق إسلام "مطيع" لا يرى الجهاد إلا رجسًا، ولا يرى النبوة إلا مشروعًا شخصيًا تابعًا. إنها لحظة ولادة دين جديد صيغ بعناية داخل مختبر السياسة الاستعمارية، وتبنّى خطابًا "دينياً" ليخدم "استقرار" الاحتلال.

النبوة التي ظهرت في حضرة الاستعمار

ولد غلام أحمد في الهند البريطانية سنة 1835، وكان والده من المتعاونين مع الاحتلال الإنجليزي. ادّعى أولًا أنه مجدد ديني، ثم قال إنه المهدي، ثم ارتقى بنفسه إلى مقام "نبي تابع لمحمد"، ثم اعتبر نفسه هو "المسيح الموعود"، في سلسلة تصاعدية من الادعاءات اللاهوتية لم تكن بريئة من الحساب السياسي. في كتاباته، امتدح الاستعمار البريطاني، وحرّم الجهاد ضده، بل وصفه بأنه خيانة، ودعا المسلمين إلى الولاء التام للتاج البريطاني. لقد كانت دعوته "دينًا وظيفيًا" بامتياز، خُلق ليخدم الاحتلال في وقت كانت الحركة الإسلامية تمور بدعوات المقاومة المسلحة.

إسلام بلا جهاد.. ولا خلافة

أهم وظائف القاديانية تمثلت في إعادة تعريف الإسلام، لتفريغه من بُعده السياسي والتاريخي والمقاوم. في هذا "الإسلام الجديد"، لا وجود للجهاد المسلح ضد الظلم، ولا شرعية لأي حركة تحرر إسلامية. لا خلافة، ولا حكم إسلامي، ولا مواجهة للباطل. بل دين منزوع الأنياب، مسالم، محايد، مشغول بقداسة "النبي الجديد"، منصرف عن قضايا الأمة، ومتمحور حول الطاعة للإمبراطورية. هكذا، صيغت عقيدة كاملة تؤدي وظيفة سياسية محددة: كسر شوكة الإسلام المقاوم من الداخل، لا عبر العسكر، بل عبر العقيدة نفسها.

الدعم البريطاني الخفي

لم تكن القاديانية لتنتشر لولا الغطاء السياسي البريطاني. فقد منحتها سلطات الاستعمار حرية غير مسبوقة في النشر والدعوة، ومنعت مهاجمتها علنًا، واحتضنتها قانونيًا باعتبارها "فرعًا معترفًا به". وقد ظهرت دلائل كثيرة – من تقارير ومراسلات – تشير إلى أن غلام أحمد كان يحظى بعناية خاصة لدى سلطات الاستعمار، ليس حبًا في النبوات الجديدة، بل لأن الرجل **أدّى وظيفة مثالية** في حرف المسلمين عن مسارهم التاريخي المقاوم.

حين يصاغ الدين خصيصًا لتعطيل الوعي

القاديانية ليست مجرد طائفة دينية مثيرة للجدل، بل نموذج حاد لدين صيغ في لحظة استعمارية، لأداء وظيفة استعمارية. هو دين لم يُخترع من أجل "الحق"، بل من أجل "الهدوء السياسي"؛ دين لا يُقاتل الباطل، بل يطلب مباركته. وهذا ما يجعل القاديانية من أوضح الأمثلة على دين الوظيفة السياسية، حيث يُستخدم الدين لا كطريق للحق، بل كجدار صدّ أمامه.

سلسلة: دين الوظيفة السياسية

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.

✉️ 📊 📄 📁 💡