يُطالب العرب حلفاء إسرائيل بنزع سلاح المقاومة ويصمتون عن تسليح المستوطنين؟

في قلب المأساة الفلسطينية، لم يعد غريبًا أن ترتفع أصوات عربية تطالب بنزع سلاح المقاومة تحت شعارات “الشرعية” و”السيادة” و”حل الدولتين”، لكنها في الوقت ذاته تصمت تمامًا أمام مشهد تسليح المستوطنين الإسرائيليين وتشكيل ميليشيات مدنية داخل الأراضي المحتلة. هذا الصمت العربي الرسمي، بل والمشاركة أحيانًا في الضغط على المقاومة، يفضح تحالفًا غير معلن مع مشروع الهيمنة الصهيونية، ويكشف اختلالًا جوهريًا في معايير “السيادة” و”السلام” التي يتغنّى بها هؤلاء.

ازدواجية المعايير: سلاح المقاومة إرهاب وسلاح المستوطنين “حق”

المقاومة في الوعي العربي الشعبي هي دفاع مشروع ضد الاحتلال، لكنها في الخطاب الرسمي لأنظمة عربية متحالفة مع الغرب وإسرائيل، أصبحت عبئًا، أو خطرًا يجب “تجفيف منابعه”. هؤلاء لا يتحدثون عن مئات آلاف قطع السلاح التي تُوزّع داخل إسرائيل على يد ميليشيات استيطانية متطرفة، ولا عن قوانين طوارئ تسمح لأي مستوطن بإطلاق النار على الفلسطينيين. بل يطالبون فقط بـ”ضبط السلاح الفلسطيني”، وكأن الخلل ليس في الاحتلال بل في ردّة فعل الضحية.

كيف يصوغ الإعلام العربي خطابًا مقلوبًا؟

وسائل الإعلام الممولة من أنظمة التطبيع تُركّز على “سُلطة القانون” و”ضرورة احتكار الدولة للسلاح”، لكنها لا تجرؤ على مساءلة “دولة الاحتلال” التي تسمح بإنشاء جيشين: أحدهما رسمي، والآخر مكون من المستوطنين المسلحين بإشراف وزارة الأمن الداخلي. بل يجري تبرير هذه الظاهرة تحت عنوان “الدفاع عن النفس”، بينما يُوصم أي شاب فلسطيني يحمل سكينًا بـ”الإرهابي”.

هكذا يُعاد تعريف الحق والباطل في خطاب يخدم العدو، لا الضحية.

لماذا هذا الحماس العربي لنزع سلاح المقاومة؟

الأنظمة العربية المطبّعة لا تنزعج من إسرائيل لأنها لم تكن يومًا ضدها فعلًا. مشكلتها الحقيقية هي مع كل ما يُهدد استقرار الكرسي ومصالح العرش. والمقاومة تُربك هذا النظام؛ لأنها تطرح نموذجًا مغايرًا للولاء، وتخلق رأيًا عامًا يتعاطف مع القضية، ويُحرج الصفقات الخفية. لهذا تسعى هذه الأنظمة لتحويل المقاومة من رمز تحرر إلى “مشكلة أمنية”، وتُمارس ضغوطًا دولية وعربية، بل وتُشارك أحيانًا في الحصار، فقط لأن فصائل المقاومة لا تُطيع تعليمات العواصم المُطبّعة.
 

من الذي يسعى لتجريد الفلسطيني من آخر أدواته؟

من يطالب بنزع سلاح المقاومة ولا يفتح فمه عن سلاح المستوطنين، لا يبحث عن “أمن”، بل عن استسلام. سلاح المقاومة ليس هو الخطر الحقيقي في منطقهم؛ الخطر هو بقاء الوعي الشعبي حيًا، ورفضه للتطبيع، وإصراره على أن إسرائيل كيان احتلال لا يمكن التعايش معه بلا مقاومة. هؤلاء لا يريدون أمن الفلسطيني، بل أمن إسرائيل. ولا يريدون سلامًا عادلًا، بل تطبيعًا بلا كرامة.
 

خاتمة: الجبر السياسي في أوضح صوره

ما نراه اليوم ليس فقط نفاقًا سياسيًا، بل تعبيرًا عن جبر سياسي إقليمي، تُمارسه أنظمة عربية ضد شعوبها وضد القضية الفلسطينية معًا. الجبر الذي يُجبر المقاومة على الصمت، ويُجبر الشعوب على التصفيق للمطبعين، ويُجبر الإعلام على تلميع القمع تحت شعار “السيادة”.

في هذا المشهد، تبدو “الشرعية” مجرد قناع هشّ يخفي وصاية خارجية كاملة. أما السلاح، فليست مشكلته في كونه بيد المقاومة، بل في كونه خارج السيطرة الغربية – وهذا هو الذنب الأكبر في عُرف الحلفاء العرب لإسرائيل.
+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.

✉️ 📊 📄 📁 💡