العراق في مفترق طرق
حرب العراق عام 2003 لم تكن فقط نزاعًا عسكريًا مفاجئًا، بل حدثًا استراتيجيًا مخططًا بدقة، يحكمه أهداف جيوسياسية تتجاوز حدود الأرض العراقية. لم تنفجر المقاومة على نحو عفوي، ولم تكن التداعيات مجرد صراع داخلي عابر. هذه الحرب كانت فصلاً جديدًا في مسرح إقليمٍ يُدار من مراكز قوة خارجية، حيث تضافرت المصالح الأمريكية، البريطانية، الإيرانية، وبعض القوى الإقليمية لتفكيك دولة كانت تُعتبر عمودًا في المنطقة.
خلفيات الصراع الحقيقية
لم يولد الغزو الأمريكي للعراق في فراغ؛ بل تراكمت عدة عوامل استخدمت ذريعة لتبرير التدخل: حرب الخليج، اتهامات بامتلاك أسلحة دمار شامل، والتوترات مع نظام صدام حسين. لكن الحقيقة أن العراق، بغناه النفطي وموقعه الاستراتيجي، كان هدفًا لتقسيم النفوذ، وكبح أي قوة قد تشكل تهديدًا لهيمنة الغرب أو إسرائيل في المنطقة. هذه الحرب هي استمرار لمسار طويل من التدخلات التي أضعفت الدولة المركزية وخلقت فراغًا مكن الأجندات الخارجية من اللعب.
من يكتب السيناريو؟
القرار الحاسم كان في واشنطن ولندن، حيث رسمت خطط الاحتلال والتقسيم، مدعومة بحجج واهية في الإعلام العالمي. إيران، كقوة إقليمية صاعدة، أدخلت نفسها في المشهد الجديد لتحقيق مكاسب على الأرض العراقية، عبر دعم فصائل شيعية وميليشيات. الدول العربية والمنظمات الدولية لعبت أدوارًا هامشية، أو جاءت استجابتها تحت ضغط المصالح الأكبر.
أدوات التحكم: المال والسلاح والإعلام
لم يكن الاحتلال عسكريًا فقط، بل كان استنزافًا ممنهجًا. التمويل والسلاح جُهّزا لأطراف داخل العراق لاختراق النسيج الاجتماعي والسياسي. الإعلام العالمي سيطر على السردية، فوصف الاحتلال بـ "تحرير العراق"، ووصم المقاومة بـ "الإرهاب"، ليكسب الدعم الشعبي العالمي. تم تهميش أصوات المعارضة الحقيقية، وخلق سرديات بديلة لتبرير استمرار التدخل.
المسرح المحلي: الأطراف والفصائل
بعد سقوط النظام، استُغلت الانقسامات الطائفية والقومية. الأحزاب الشيعية التي كانت في المنفى عادت بدعم إيراني وأمريكي، والكرد توسعوا في شمال العراق بمساعدة غربية، فيما أُقصيت فئات سنية كثيرة. ميليشيات متعددة ولدت، بعضها مدعوم من الخارج، بعضها انبثق من الفوضى، مما ساهم في تفاقم العنف الأهلي.
النتائج والمستفيدون
تدمير البنية التحتية العراقية، وانهيار المؤسسات الوطنية، وتصاعد الإرهاب والتطرف، كانت النتائج المباشرة. الولايات المتحدة حققت هدفها في تغيير النظام وتحجيم نفوذ العراق الإقليمي، بينما استفادت إيران في توسيع نفوذها. العراق تحول إلى ساحة صراع بين قوى إقليمية ودولية، بفعل مصالح لم تكن قطّ لخدمة الشعب العراقي.
تحوير المسار: من مقاومة إلى اقتتال داخلي
المقاومة العراقية الأصلية ضد الاحتلال لم تكن موحدة أو ذات أجندة واضحة، ومع التدخل الخارجي، بدأ الصراع يتحول من مواجهة احتلال إلى اقتتال داخلي مدعوم من جهات مختلفة، حيث تفشت الجماعات المسلحة التي كان لها أجندة إقليمية خاصة، فبدلًا من تحرير العراق، وجد العراقيون أنفسهم في دوامة صراع داخلي استنزفت المزيد من الدماء والدمار.
خاتمة: هل كانت هذه حربنا؟
لو نظرنا بعمق، نجد أن حرب العراق لم تكن حرب العراقيين فحسب، بل كانت مسرحًا كُتبت فيه أدوار قُسّمت بعناية، كان العراقيون فيها لاعبين في لعبة أكبر، يديرها أجنبيون لأهداف سياسية واقتصادية جيوسياسية. فهم هذه الحقيقة لا ينفي المآسي، لكنه يحرر الوعي من أسر السرديات الرسمية، ويدعو إلى إعادة التفكير في دورنا الحقيقي في هذه الحروب.
سلسلة: حروبنا وسيناريوهاتهم