
كل دولة صارت ترى نفسها "الأصل"، والآخر مجرد تقليد رديء
المصري يرى نفسه "قلب العروبة" والباقي توابع. اللبناني يرى نفسه أرقى ثقافيًا، والخليجي بدوي. الخليجي يرى نفسه غنيًا، والباقي متسوّلين. العراقي يرى نفسه أصل الحضارة، والسوري يحتقر الأردني، والمغربي لا يفهم لماذا يتكلم المشارقة بهذه الطريقة الغريبة. أما السوداني، فيُعامل في معظم العواصم العربية كمواطن درجة ثالثة.
التندر والسخرية: سلاح التدمير الناعم
نكت، فيديوهات، تغريدات، أغاني شعبية... كل شيء يُستخدم لترسيخ صورة نمطية ساخرة عن شعوب الدول الأخرى. السوري متسلق. اليمني كسول. اللبناني محتال. المصري نصّاب. الخليجي ساذج. المغربي مخادع. السوداني بطيء. العراقي عنيف. الفلسطيني يفتعل المشاكل. هكذا تتم تغذية اللاوعي الجمعي، حتى يصبح كل عربي يشمئز من العربي الآخر تلقائيًا دون سبب واضح.
الإعلام الرسمي: مؤسسات إنتاج الكراهية
لم تكن هذه الكراهية وليدة الشارع فقط، بل خُطط لها وجرى ضخّها من أعلى. إعلام كل دولة يُظهر شعبه كالأكثر كفاءة، حضارة، وأصالة، ويُمرر رسائل ضمنية عن "تخلّف" البقية. كل قناة وطنية مشروع تفوّق قومي صغير، يغرس في مواطنيه الشعور بأنهم ضحايا الآخرين، أفضل من الآخرين، ولا يشبهونهم أبدًا.
القومية الضيقة: تحوّل الوطن إلى سجن حدودي
أصبحنا لا نفخر بانتمائنا للأمة، بل نتشدق بانتمائنا لما رسمه المستعمر من "حدود". يتم احتقار العروبة باعتبارها "موضة قديمة"، ويتم تمجيد الوطنية القطرية كأنها عقيدة سماوية. المواطن العربي اليوم لا يدافع عن كرامة الأمة، بل يدافع عن جواز سفره، وعن لهجته، وعن منتخبه، وعن علمه... وكأن العالم العربي ليس إلا "بطولة كأس أمم" دائمة، كل فريق يتمنّى هزيمة الآخر.
التراكم النفسي: جيل لا يرى في العربي الآخر إلا تهديدًا
نشأ جيل لا يثق بالعربي الآخر، ولا يتعاطف معه، ولا يشعر بالقرابة تجاهه. السوري يهرب من اللبناني، اللبناني يشتم الفلسطيني، المصري يتوجس من السوداني، والخليجي لا يطيق اليمني. حتى لو جمعتهم الكوارث، تجد القلوب متحفظة، مشحونة، مشككة. لا عدو خارجي أوغل في طعننا كما أوغلنا في بعضنا.
سؤال مخجل: من غرس فينا أننا "أفضل من الآخرين"؟
الجواب: من أراد أن لا نكون "مع الآخرين" أصلاً. ليست هذه مجرد طباع شعوب، بل نتائج سياسات. القومية الضيقة خُطّط لها لتكون جدارًا إسمنتيًا بين الشعوب، تعزلهم عن بعضهم وتُنسيهم أن لهم تاريخًا مشتركًا وعدوًا مشتركًا ومصيرًا واحدًا. حين يُغلق العقل داخل إطار "بلدي أولًا"، يسهل على الآخر أن يسلب البلد كلّه دون مقاومة.
خاتمة: لقد خُدِعنا... وصرنا نُجيد جلد بعضنا
لم نعد بحاجة إلى عدو خارجي يهيننا. نحن نهين بعضنا بكفاءة تامة. نُمارس التمييز، ونصنع النكات، ونُغذّي الغرور الوطني، ونرفض حتى أن نرى التشابه بيننا. وإذا استمر الأمر هكذا، فالأمة ستتحول رسميًا إلى جزر من الكراهية، تحرسها أعلام مصطنعة، وشعوب تضحك على بعضها حتى في البكاء.