رجل بعد منتصف الليل: حارس الخراب أم شاهدٌ متأخر؟

في منتصف الليل، حين تنام المدن وتغفو الأصوات، خرج رجل يمشي في الطرقات الخالية. لا يعرف إلى أين يتجه، ولا لماذا استيقظ الآن بالضبط. فقط، شيء ما في داخله قال له: "قم، فقد تأخرت كثيرًا". هكذا تبدأ الحكاية... لا كبداية بطولة، بل كلحظة وعي تأتي بعد أن فات كل شيء.
في أي ساعة استيقظت؟ 
ليس الغريب أن يستيقظ الناس، بل أن يستيقظوا متأخرين. فالرجل الذي لم يسمع صوت الانفجار، ولم ير النار تلتهم الجدران، خرج يتفقد الحطام بعد أن خمد الدخان. 

لم يكن غافلًا تمامًا، لكنه كان يفضل الصمت. لم يكن نائمًا، بل كان يشغل نفسه بأشياء صغيرة كي لا يرى الكارثة تقترب. والآن، بعد أن انتهى كل شيء، ها هو واقف في العراء، يتلفّت في دهشة، كأنه يبحث عن دورٍ لم يعد موجودًا في مسرحية قد أُسدل عليها الستار.


أشباح المدينة بعد العتمة

في شوارع مهدمة، وأزقة فقدت أسماءها، يمشي الرجل وحيدًا. يرى آثار أقدام لم يعد أصحابها موجودين، ولافتات مقلوبة، وبيوتًا سقطت دون أن يُبكى عليها. لا يسمع إلا صداه، ولا يُصادف إلا ظله. يتذكر الوجوه التي كانت تضحك في وضح النهار، ثم صمتت حين جاء الليل. يتساءل: أين ذهب الجميع؟ هل ماتوا، أم صمتوا، أم رحلوا قبل أن يستيقظ؟


هل كان نائمًا أم غائبًا؟

الرجل بعد منتصف الليل ليس مجرمًا ولا بطلاً. هو مجرد شاهد تأخر. وربما كان غيابه نوعًا من النجاة المؤقتة، لكنه الآن يدفع ثمن هذا التأخر وِجدانًا. لقد اختار أن لا يرى، أو اختار أن لا يتكلم، لأن الصوت كان مكلفًا، وكان الظلام أرحم من بصيرة تُحرق صاحبها. لكنه حين فتح عينيه أخيرًا، لم يجد سوى خرابٍ لا يحتاج إلى شهود.


الوعي كندم

الوعي حين يأتي متأخرًا، لا يكون مفتاحًا للتغيير، بل يصبح لعنة. فالرجل لا يستطيع إصلاح شيء، ولا يملك وسيلة ليُنذر أحدًا. لقد تأخر الجميع. وها هو يدرك أن الإدراك وحده لا يكفي، وأن الفهم بعد الحريق ليس بطولة، بل رثاء متأخر. لقد أضاع الوقت حين كان الفعل ممكنًا، والآن لا يملك إلا أن يسأل نفسه: هل كنت أعمى، أم كنت أجبن من أن أرى؟


متى يكون الأوان قد فات؟

في لحظات، يشعر أن لا جدوى من الوعي بعد منتصف الليل. فالأبواب أُغلقت، والخرائط تغيّرت، والمفاتيح صدئت. لكنه رغم ذلك، يصر على أن يسير. لا ليُنقذ أحدًا، بل كي لا يُقال إن أحدًا لم يشهد. لأن بعض الشهادات، وإن تأخرت، تبقى ضرورية. فليس كل من تأخر خائنًا، وبعض المتأخرين يحملون في قلوبهم حسرة من صمتوا مبكرًا.


خاتمة: حين تكون الشهادة مقاومة

"رجل بعد منتصف الليل" هو كل من أفاق متأخرًا، لكنه قرر أن لا يصمت أكثر. هو رمز لإنسانٍ لم يعد يملك تأثيرًا سياسيًا ولا حنجرة إعلامية، لكنه يرفض أن يكون جزءًا من القطيع النائم. ربما لن يُحدث وعيه فرقًا، لكنه يُبقي شعلةً صغيرة مضاءة في ظلامٍ كثيف.
فحتى في منتصف الليل، قد يكون هناك معنى لأن تقول الحقيقة، ولو لنفسك.

أحدث أقدم
🏠