
جذب الانتباه وتحقيق الأرباح
وسائل الإعلام التجارية تخضع لمنطق السوق، وأهم سلعة تُتاجر بها هي "الانتباه". والجرائم بطبيعتها تُثير الصدمة والفضول، فتضمن نسب مشاهدة مرتفعة، ومن ثمّ عائدًا إعلانيًا ضخمًا.
- الأخبار الدموية تخترق الرتابة اليومية، وتشدّ المتلقي بشكل غريزي.
- العناوين المثيرة، والصور العنيفة، تولّد مشاركة واسعة على منصات التواصل، ما يعزز أرباح الشركات الإعلامية.
الإعلام هنا لا يهتم بخطورة الحدث بقدر ما يهتم بجاذبية عرضه.
التلاعب بالمزاج الجمعي وبث الخوف
الإكثار من عرض الجرائم يصنع وهمًا بانتشارها الواسع، حتى لو لم تكن الإحصاءات الواقعية تدعم ذلك. والنتيجة هي خلق حالة رعب جماعي مزمنة:
- المواطن يشعر أن الخطر يحيط به في كل لحظة، فيطلب مزيدًا من الحماية.
- يُقبل الناس على دعم قوانين صارمة، أو تشديد أمني، أو مراقبة مجتمعية، وكلها تُمرر تحت ذريعة "الأمان".
بعبارة أخرى، الخوف يُستخدم كأداة سياسية لضبط الجماهير.
إضعاف الروابط الاجتماعية والثقة المجتمعية
حين تُكرر وسائل الإعلام صور القتل والخيانة والعنف الأسري، تبدأ المجتمعات برؤية بعضها البعض كتهديد مستمر:
- الجار يصبح مشبوهًا.
- الغريب مصدر قلق.
- الفتاة تُربى على الخوف، والولد على الحذر.
يذبل الشعور بالانتماء، وتتفكك اللحمة المجتمعية، ويغدو الفرد أكثر عزلة… وأكثر قابلية للانقياد.
صرف الانتباه عن القضايا الحقيقية
في خضم سيل أخبار الجرائم الفردية، تغيب الجرائم الهيكلية التي تمس حياة الناس جوهريًا:
- لا حديث عن فساد الأنظمة، أو نهب الثروات، أو فشل السياسات الاقتصادية.
- لا تحليل لأسباب الجريمة، بل تُصور كأخطاء فردية معزولة.
وبذلك يتحول الإعلام من سلطة رقابية إلى أداة إلهاء وتخدير ممنهجة.
صناعة صورة نمطية تخدم أجندات سياسية
بعض وسائل الإعلام لا تكتفي بعرض الجرائم، بل تختار من يرتكبها، وتُضخم تلك الأخبار لتكوين صورة نمطية:
- ربط الجريمة بفئة عرقية أو دينية معينة.
- إبراز جنسية المجرم حين يكون "الآخر"، والتغاضي عنها إن كان من "الداخل".
هذا التلاعب الخطابي يُستخدم لتبرير العنصرية، وتمرير قوانين إقصائية لاحقًا باسم "الحماية من الخطر".
خلاصة نقدية
حين ترى الإعلام منهمكًا في عرض الجرائم والفظائع، اسأل نفسك:
- من المستفيد من هذا التكرار اليومي؟
- ما الذي يُراد لنا أن نخافه؟
- وما الذي يُراد لنا أن ننساه أو نغفل عنه؟
ففي عالم تُدار فيه العقول بالكاميرا والميكروفون، ليست الأخبار مجرد نقل للوقائع… بل هندسة خفية للوعي.