
كلما اعتلى رئيس جديد منصة القسم، تُضاء الأنوار، وتُرفع الأعلام، ويظن بعضهم أن عصراً جديداً بدأ. لكن العارفين ببواطن القصر يعلمون أن "مَن يسكن القصر لا يحكمه"، بل يتلقى إملاءات من جدران لا تُرى... من غرف اجتماعات لا تُبث، من أوراق لا تخرج للعلن، ومن ألسنة لا تنطق باسم أحد.
الرئيس الأمريكي، مهما كان اسمه أو لونه أو حزبه، ليس سوى واجهة متبدلة لمنظومة ثابتة. قد يبدّل نبرة الكلام، ويُلوّح بشعارات جديدة، لكنه لا يستطيع أن يعبث بأسس الإمبراطورية دون أن تُقصّ أجنحته تدريجيًا... بالفضائح، أو التسريبات، أو الإعلام، أو حتى بالتحقيقات القضائية.
إنه رئيس، نعم، لكنه رئيس داخل شبكة. صلاحياته مرسومة بإتقان، وحركته مضبوطة كرقصة في قاعة مراقبة. يستطيع أن يوقّع، لكن لا يستطيع أن يُبدّل اللعبة. يستطيع أن يعترض، لكن لا يستطيع أن يخرج من النص. إنه "القائد الأعلى"، لكن فقط في المسرحية... أما في الكواليس، فهناك كتّاب السيناريو، والمخرجون، ورؤساء التحرير، ومديرو الأمن، ولوبيات المال، وعرّابو العروش.
ومن يجرؤ على الخروج عن النص؟ ربما يُصفّق له الجمهور لحظة، لكنه سرعان ما يجد نفسه وحيدًا، أو مُقصًى، أو مهددًا بإجراءات العزل، أو محاصرًا بسلسلة من الهفوات التي تخرج فجأة من الأرشيف.
من هنا، يصبح السؤال:
هل تختلف سياسات الرؤساء حقًا؟
أم أن الاختلاف مجرد زخرفة في واجهة قصر الزجاج؟
في القضايا الكبرى، حيث تُرسم الخرائط وتُشعل الحروب وتُوزّع الثروات، يتشابه الجميع. أوباما أو ترامب، بايدن أو بوش، يتغير الأسلوب، لكن تظل اليد التي تمسك بالخيوط هي ذاتها... لا تُنتخب، ولا تظهر في الصور، لكنها تحكم، وتبني، وتُسقط، كما تشاء.