
في زمنٍ كانت فيه الحجارة تُقابل الرصاص، وحناجرُ الأطفال تُضاهي زئير الدبابات، بزغ فجرٌ جديد للمقاومة... فجرٌ خرج من رحم الرمز، لكنه ما لبث أن قرر التمرد عليه، ليصنع فعلاً لا أسطورة.
كانت الحجارة يومًا ما لغة المقاومة الأولى. لم تكن تقتل، لكنها كانت تفضح. لم تكن تُسقط الطائرات، لكنها كانت تُسقط سرديات الاحتلال عن "التهديد الوجودي" و"الحرب على الإرهاب". كان الطفل الواقف على حافة الزقاق، بالحجر في يده، يمثل الضمير العالمي، والمرآة التي تعكس بشاعة القوة عندما تفقد أي أخلاقية.
لكن العالم لم يصغِ. بل تغافل عن المذبحة، واكتفى بمديح "بطولة الأطفال" بدلًا من مساءلة جلّادهم.
وهكذا ظل الحجر، على عمق رمزيته، غير قادر على كسر آلة البطش. كان يُدغدغ صلب المدرعات، لكن لا يخترقها.
ثم أطلّ "الياسين".
صاروخٌ محليّ الصنع، اسمه مشتقّ من اسم قائدٍ مقعد، اختزل بضعفه الجسدي كل خرافات العدو عن "أمنه المطلق"، وفجّر وهمه بتوازنٍ ميداني جديد. صاروخ الياسين لم يأتِ ليحمل الرمز فقط، بل جاء ليقول:
لقد انتهى زمن المناشدة، وبدأ زمن التأديب.
بين الحكاية والسلاح: كسر القيد الرمزي
الحجرُ كان حكاية. الياسينُ كان قرارًا.
الحجرُ كان صرخةً في وجه التاريخ. الياسينُ كان كتابةً جديدة للتاريخ.
في الفرق بين الاثنين، نكتشف المسافة بين مقاومةٍ تُستعرض، ومقاومةٍ تُردع. الأولى تراهن على أخلاق المتفرجين، والثانية تراهن على اختلال المعادلة.
وفي هذا التحوّل، نقرأ التحوّل في وعي المقاومة ذاته:
من وعيٍ يبحث عن "اعترافٍ دوليّ"، إلى وعيٍ يُدرك أن الكرامة لا تُستعاد إلا بقوة تفرض الاحترام، لا تطلبه.
حين يخرق الواقع الأسطورة
يقول البعض إن صاروخ الياسين كان بسيطًا، بدائيًا، لا يُقارن بتكنولوجيا العدو. لكنهم يغفلون أن أعظم سلاح ليس ما يُطلق، بل من يُطلقه، ولماذا.
ففي لحظة إطلاقه، لم يكن الياسين مجرد قذيفة، بل صرخة وعي جديدة، تُعلن أن زمن الحجارة انتهى، لا لأنها لم تكن نبيلة، بل لأنها لم تكن كافية.
لقد تحوّلت المقاومة من الرمز إلى الأثر، من الشعار إلى الأداة، من مناشدة الضمير الإنساني إلى مخاطبة مراكز أعصاب الخصم، مباشرة.
الخلاصة: عندما ينضج الوعي، تتغير الأدوات
ليست البطولة في التمسك بالأدوات الرمزية، بل في معرفة توقيت تجاوزها.
وليس المجد في تدوين الحكايات، بل في إنتاج المعادلات.
فالحجر كان مرحلة من الوعي، ضرورية، لكنها عابرة.
وصاروخ الياسين كان العتبة التي اجتاز فيها الرمز عتبة الأسطورة، إلى ميدان الردع الحقيقي.
وهكذا تكتب المقاومة تاريخها من جديد...
لا بالحكايات، بل بما يُجبر العدو على إعادة الحسابات.