
لكن العبارة التي تصلح عنوانًا لهذا المشهد العبثي، ليست من نشرة أخبار ولا من بيان رسمي، بل من لسان ساخر ناقد قال:
"وُدّ العرب لو يبنون تمثالًا لنتن ياهو"
قد تبدو العبارة مجازية... لكنها ليست بعيدة عن الواقع.
من سرديات البطولة إلى أساطير الجلاد
لأعوام طويلة، تربّى الجيل العربي على حكايات النكسة، والصمود، والتحرير، وأُشرب الوعي العام أن إسرائيل كيان محتل، وأن "نتنياهو" أحد أكثر رموزه تطرفًا ووحشية. لكن ذات الجيل الذي سمع خطابات الغضب في صغره، أصبح في كبره يشاهد وفودًا تُقبّل ذات اليد التي صفّقت لقصف غزة.
فمتى تغيرت القصة؟ هل استيقظت الأنظمة فجأة لتكتشف أن الجلاد كان رسول سلام؟ أم أن المعايير تغيّرت لأن السوق تغيّر، والحليف تغيّر، والخريطة رُسمت من جديد… لكن هذه المرة على حساب الذاكرة؟
التمثال... لا كرمز للبطولة بل لنجاح الجريمة
في الثقافات القديمة، كان التمثال يُبنى تمجيدًا لبطلٍ أو فكرة. أما في عصرنا، فيبدو أنه بات يُشيَّد لمن نجح في ارتكاب الجريمة دون أن يُسائلَه أحد. وما نتنياهو – في نظر بعض العواصم – إلا رجلٌ انتصر، حتى وإن كانت طريقته في الانتصار مفروشة بأشلاء المدنيين.
وهكذا، يتحول الجلاد إلى "شريك استراتيجي"، والمحتل إلى "مستثمر واعد"، والمستوطن إلى "صديق جديد للسلام". ويكاد يُقال في البيانات الرسمية:
"إننا نُكرّمه لا لأنه قتلنا، بل لأنه فعلها بمهارة."
سخرية التاريخ: حين تصبح الخيانة وجهة نظر
في مشهد كهذا، لا عجب أن يُعاد تأهيل صورة القاتل في وعي الجماهير. فوسائل الإعلام تلمّع، والخبراء يُنظرون، والنخب تكتب عن "حكمة الواقعية السياسية". حتى ليبدو الأمر طبيعيًا، كأن التاريخ لم يكن يومًا قضية أخلاقية، بل مجرد تفاوض على نسب الفائدة.
وهكذا، تصبح الخيانة "وجهة نظر"، والمقاومة "تشددًا"، والوفاء للقضية "عائقًا أمام التنمية".
في أي لحظة نُزعت بوصلتنا؟
ليس سؤال المقال لماذا تُطبع العلاقات مع إسرائيل، فهذه المرحلة قد عبرناها منذ زمن، بل السؤال الحقيقي هو:
في أي لحظةٍ بدأنا نشعر بالخجل من المقاومة، والفخر بالتبعية؟
في أي لحظة صرنا نُقنع أبناءنا أن "نتنياهو" قد يكون رجلًا عمليًا، وأن مشكلتنا معه كانت فقط في سوء الفهم؟
ربما آن الأوان أن نواجه الحقيقة كما هي، لا كما تروّجها الشاشات:
ليست المشكلة في أن العرب سيبنون تمثالًا لنتنياهو، بل في أنهم قد يطلبون منا أن نضع عليه إكليل الزهور كل عام.

وصف الصورة :
لوحة رمزية لتمثال ضخم لنتنياهو في وسط مدينة عربية، تحته مسؤولون عرب يلتقطون صورًا تذكارية، بينما في الخلفية تظهر جدارية باهتة لطفل فلسطيني يحمل حجرًا، وقد بدأت تتشقق بفعل الزمن والإهمال.